تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

وقوله تعالى : ( قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) قال بعضهم : أرادوا بقولهم ( اتخذ الله ولدا ) حقيقة الولد كقوله : ( ويجعلون لله البنات )[ النحل : 57 ] وقوله : ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله )[ المائدة : 18 ] كذا [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله )[ التوبة : 30 ] كذا ، فنزه عز وجل نفسه عما يقولون بقوله : ( سبحانه هو الغني ) إنه لم يلد أحد ، ولا ولد هو من أحد . ولهذا قال : ( لم يلد ولم يولد )[ الإخلاص : 3 ] إذ في الشاهد لا يخلو إما أن يكون ولد من آخر أو والدا[ في الأصل وم : والد ] ، والخلق كله لا يخلو من هذا ، فأخبر أنه لم يلد هو أحدا ، ولا ولد من أحد .

وقوله تعالى : ( هو الغني له ما في السماوات والأرض ) تأويله ، والله أعلم ، أن في الشاهد من اتخذ ولدا إنما يتخذ لأحد وجوه ثلاثة : إما لحاجة تمسه ، أو لشهوة تغلبه ، أو لما يستنصر به على آخر مما يخافه . فإذا كان له ملك السموات والأرض وملك ما فيهما كلهم عبيده وإيماؤه فلا حاجة تقع له إلى الولد ؛ إذ هو الغني وله ملك السماوات والأرض .

ومن هذا وصفه فلا يحتاج إلى الولد ، ولأنه لا أحد كالشاهد يحتمل طبعه اتخاذ الولد من عبيده وإيمائه ، فإذا كان لله ، سبحانه ، الخلائق : كلهم عبيده وإماؤه ، كيف احتمل اتخاذ الولد منهم لو جاز ؟ لقد بينا إحالة[ في الأصل وم : إحالته ] ذلك وفساده ، ولأن الولد يكون من شكل الوالد ومن جنسه كالشريك يكون من شكل الشريك ومن جنسه ، فكان نفي الشريك نفي الولد لأن معناهما واحد ، وكل ذي شكل له ضد أو شكل فإنه لا ربوبية له ولا ألوهية .

وقال بعضهم : قولهم ( اتخذ الله ولدا ) لم يريدوا حقيقة الولد ولكن أرادوا منزلة الولد وكرامته ، فهو أيضا منفي عنه لأن من لا يحتمل الحقيقة ؛ أعني حقيقة الولد امتنع عن منزلته وكرامته لأن الحقيقة انتفت لعيب يدخل فيه . فإذا ثبتت له منزلة تلك الحقيقة والكرامة [ دخلت فيه عندئذ ][ في الأصل وم : دخل فيه عبيد ] الحقيقة .

وقوله تعالى : ( إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ) قيل : ما عندكم من حجة على ما تقولون : إن له ولدا لأنهم كانوا أهل تقليد لآبائهم وأسلافهم ، وكانوا لا يؤمنون بالرسل والكتب والحجج . وإنما كان يستفاد من ذلك من جهة الرسالة والكتب وهم كانوا ينكرون ذلك .

وقوله تعالى : ( أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) /232-ب/ أي تقولون على الله : اتخذ الولد ما تعلمون أنه لم يتخذ .