قوله تعالى : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغني } الآية .
هذا نوع آخر من أباطيلهم التي حكاها الله عنهم ، " قالوا " يعني المشركين : الملائكة بنات الله ، وقيل : قولهم : الأوثان أولاد الله ، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قومٌ من النصارى قالوا ذلك ، ثم استنكر هذا القول ، فقال بعده : { هُوَ الغني لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } فكونه - تعالى - غنيّاً مالكاً لكلِّ ما في السماوات والأرض ، يدلُّ على أنه سبحانه يستحيل أن يكون لهُ ولد ، وبيانه من وجوه :
الأول : أنَّه لو كان محتاجاً ، لافتقر إلى صانعٍ آخر ، وهو محال ، وكل من كان غنيّاً فلا بد أن يكون فرداً منزَّهاً عن الأعضاء والأبعاض ، ومن كان كذلك يمتنع أن ينفصل عنه جزءٌ من أجزائه ، والولد عبارةٌ عن انفصال جزء من أجزاء الإنسان ، ثم يتولَّد من ذلك الجزء مثله ، وإذا كان هذا محالاً ، ثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً يمنع من ثُبُوت الولد لهُ .
الثاني : أن من كان غنيّاً ، كان قديماً أزليّاً باقياً سرمديّاً ، وكل من كان كذلك امتنع عليه الانقراض ، والولدُ إنما يحصل للشَّيءِ الذي ينقضي وينقرض ، فيكون ولده قائماً مقامه ؛ فثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً ، يدل على أنه يمتنع أن يكون له ولد .
الثالث : أنَّ كلَّ من كان غنيّاً يمتنع أن يكون موصوفاً بالشهوة واللذة ، وإذا امتنع ذلك ، امتنع أن يكون له صاحبةٌ وولد . وباقي الوجوه يطول ذكرها . ثم قال : { لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } وهذا نظيرُ قوله : { إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً }
[ مريم : 93 ] ولمَّا بيَّن بالدليل الواضح امتناع ما أضافُوا إليه ، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ ، فقال : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } : " إنْ " نافية و " عندكُم " يجوز أن يكون خبراً مقدَّماً ، و " مِنْ سلطانٍ " مبتدأ مُؤخَّراً ، ويجوز أن يكون " من سلطان " مرفوعاً بالفاعليَّة بالظرف قبله ؛ لاعتماده على النفي ، و " مِنْ " مزيدةٌ على كلا التقديرين ، وبهذا يجوز أن يتعلق ب " سُلْطان " لأنَّه بمعنى الحُجَّة والبرهان ، وأن يتعلَّق بمحذوف صفة له ؛ فيحكم على موضعه بالجرِّ على اللفظ ، وبالرفع على المحلِّ ؛ لأنَّ موصوفه مجرور بحرفِ جرٍّ زائدٍ ، وأن يتعلَّق بالاستقرار .
قال الزمخشريُّ : الباءُ حقُّها أن تتعلَّق بقوله : " إنْ عندكُم " على أن يجعل القولُ مكاناً للسُّلطان ؛ كقوله " ما عندكم بأرضكم موزٌ " كأنه قيل : إن عندكم بما تقولون سلطانٌ وقال الحوفيُّ : بهذا متعلقٌ بمعنى الاستقرار . يعنى : الذي تعلَّق به الظرف .
ثم قال : { أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد تقدَّم أنَّ الآية يحتجُّ بها نُفاة القياس في إبطال التقليد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.