اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

قوله تعالى : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغني } الآية .

هذا نوع آخر من أباطيلهم التي حكاها الله عنهم ، " قالوا " يعني المشركين : الملائكة بنات الله ، وقيل : قولهم : الأوثان أولاد الله ، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قومٌ من النصارى قالوا ذلك ، ثم استنكر هذا القول ، فقال بعده : { هُوَ الغني لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } فكونه - تعالى - غنيّاً مالكاً لكلِّ ما في السماوات والأرض ، يدلُّ على أنه سبحانه يستحيل أن يكون لهُ ولد ، وبيانه من وجوه :

الأول : أنَّه لو كان محتاجاً ، لافتقر إلى صانعٍ آخر ، وهو محال ، وكل من كان غنيّاً فلا بد أن يكون فرداً منزَّهاً عن الأعضاء والأبعاض ، ومن كان كذلك يمتنع أن ينفصل عنه جزءٌ من أجزائه ، والولد عبارةٌ عن انفصال جزء من أجزاء الإنسان ، ثم يتولَّد من ذلك الجزء مثله ، وإذا كان هذا محالاً ، ثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً يمنع من ثُبُوت الولد لهُ .

الثاني : أن من كان غنيّاً ، كان قديماً أزليّاً باقياً سرمديّاً ، وكل من كان كذلك امتنع عليه الانقراض ، والولدُ إنما يحصل للشَّيءِ الذي ينقضي وينقرض ، فيكون ولده قائماً مقامه ؛ فثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً ، يدل على أنه يمتنع أن يكون له ولد .

الثالث : أنَّ كلَّ من كان غنيّاً يمتنع أن يكون موصوفاً بالشهوة واللذة ، وإذا امتنع ذلك ، امتنع أن يكون له صاحبةٌ وولد . وباقي الوجوه يطول ذكرها . ثم قال : { لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } وهذا نظيرُ قوله : { إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً }

[ مريم : 93 ] ولمَّا بيَّن بالدليل الواضح امتناع ما أضافُوا إليه ، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ ، فقال : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } : " إنْ " نافية و " عندكُم " يجوز أن يكون خبراً مقدَّماً ، و " مِنْ سلطانٍ " مبتدأ مُؤخَّراً ، ويجوز أن يكون " من سلطان " مرفوعاً بالفاعليَّة بالظرف قبله ؛ لاعتماده على النفي ، و " مِنْ " مزيدةٌ على كلا التقديرين ، وبهذا يجوز أن يتعلق ب " سُلْطان " لأنَّه بمعنى الحُجَّة والبرهان ، وأن يتعلَّق بمحذوف صفة له ؛ فيحكم على موضعه بالجرِّ على اللفظ ، وبالرفع على المحلِّ ؛ لأنَّ موصوفه مجرور بحرفِ جرٍّ زائدٍ ، وأن يتعلَّق بالاستقرار .

قال الزمخشريُّ : الباءُ حقُّها أن تتعلَّق بقوله : " إنْ عندكُم " على أن يجعل القولُ مكاناً للسُّلطان ؛ كقوله " ما عندكم بأرضكم موزٌ " كأنه قيل : إن عندكم بما تقولون سلطانٌ وقال الحوفيُّ : بهذا متعلقٌ بمعنى الاستقرار . يعنى : الذي تعلَّق به الظرف .

ثم قال : { أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد تقدَّم أنَّ الآية يحتجُّ بها نُفاة القياس في إبطال التقليد .