روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

{ قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا } شروع في ذكر ضرب آخر من أباطيل المشركين وبيان بطلانه ، والمراد بهؤلاء المشركين على ما قيل : كفار قريش والعرب فإنهم قالوا : الملائكة بنات الله تعالى ، واليهود والنصارى القائلون : عزير وعيسى عليهما السلام ابناه عز وجل والاتخاذ صريح في التبني ، وظاهر الآية يدل على أن ذلك قول كل المشركين وإذا ثبت أن منهم من يقول بالولادة والتوليد حقيقة كان ما هنا قول البعض ولينظر هل يجري فيه احتمال إسناد ما للبعض للكل لتحقق شرطه أم لا يجري لفقد ذلك والولد يستعمل مفرداً وجمعاً .

وفي «القاموس » الولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة وإلدة بالكسر فيهما وولد الضم وهو يشمل الذكر والأنثى { سبحانه } تنزيه وتقديس له تعالى عما نسبوا إليه على ما هو الأصل في معنى سبحانه وقد يستعمل للتعجب مجازاً ويصح إرادته هنا ، والمراد التعجب من كلمتهم الحمقى ، وجمع بعضهم بين التنزيه والتعجب ولعله مبني على أن التعجب معنى كنائي وأنه يصح إرادة المعنى الحقيقي في الكناية وهو أحد قولين في المسألة ، وقيل : إنه لا يلزم استفادة معنى التعجب منه باستعمال اللفظ فيه بل هو من المعاني الثواني ، وقوله سبحانه : { هُوَ الغنى } أي عن كل شيء في كل شيء علة لتنزهه تعالى وتقدس عن ذلك وإيذان بأن اتخاذ الولد مسبب عن الحاجة وهي التقوى أو بقاء النوع مثلاً ، وقوله تعالى :

{ لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الارض } أي من العقلاء وغيرهم تقرير لمعنى الغنى لأن المالك لجميع الكائنات هو الغني وما عداه فقير ، وقيل : هو علة أخرى للتنزه عن التبني لأنه ينافي المالكية ، وقوله جل شأنه : { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ } أي حجة { بهذا } أي بما ذكر من القول الباطل توضيح لبطلانه بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض والمنافي فإن نافية و { مِنْ } زائدة لتأكيد النفي ومجرورها مبتدأ والظرف المقدم خبره أو مرتفع على أنه فاعل له لاعتماده على النفي وب { بهذا } متعلق إما بسلطان لأنه بمعنى الحجة كما سمعت وإما بمحذوف وقع صفة له ، وقيل : وقع حالاً من الضمير المستتر في الظرف الراجع إليه وإما بما في { عِندَكُمْ } من معنى الاستقرار ، ويتعين على هذا كون { سلطان } فاعلاً للظرف لئلا يلزم الفصل بين العامل المعنوي ومتعلقه بأجنبي ، والالتفات إلى الخطاب لمزيد المبالغة في الإلزام والإفحام وتأكيد ما في قوله تعالى :

/ { أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من التوبيخ والتقريع على جهلهم واختلاقهم ، وفي الآية دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو جهالة وأن العقائد لا بد لها من قاطع وأن التقليد بمعزل من الاهتداء ولا تصلح متمسكاً لنفي القياس والعمل بخبر الآحاد لأن ذلك في الفروع وهي مخصوصة بالأصول لما قام من الأدلة على تخصيصها وإن عم ظاهرها .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا } أي معلولاً يجانسه { سبحانه } أي أنزهه جل وعلا من ذلك { هُوَ الغنى } الذي وجوده بذاته وبه وجود كل شيء وذلك ينافي الغني وأكد غناه جل شأنه بقوله تعالى : { لَّهُ مَا فِي السموات } [ يونس : 68 ] الخ .