فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (68)

قوله : { قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سبحانه هُوَ الغني } هذا نوع آخر من أباطيل المشركين التي كانوا يتكلمون بها ، وهو زعمهم بأن الله سبحانه اتخذ ولداً ، فردّ ذلك عليهم بقوله : { سبحانه هُوَ الغني } فتنزّه جل وعلا عما نسبوه إليه من هذا الباطل البين ، وبين أنه غنيّ عن ذلك ، وأن الولد إنما يطلب للحاجة . والغنيّ المطلق لا حاجة له حتى يكون له ولد يقضيها ، وإذا انتفت الحاجة انتفى الولد ، وأيضاً إنما يحتاج إلى الولد من يكون بصدد الانقراض ، ليقوم الولد مقامه ، والأزليّ القديم لا يفتقر إلى ذلك . وقد تقدّم تفسير الآية في البقرة . ثم بالغ في الردّ عليهم بما هو كالبرهان ، فقال : { لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض } ، وإذا كان الكل له ، وفي ملكه ، فلا يصح أن يكون شيء مما فيهما ولداً له للمنافاة بين الملك والبنوّة والأبوّة . ثم زيف دعواهم الباطلة وبين أنها بلا دليل فقال : { إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بهذا } أي : ما عندكم من حجة وبرهان بهذا القول الذي تم لونه ، و«من » في : { مّن سلطان } زائدة للتأكيد ، والجار والمجرور في { بهذا } متعلق إما بسلطان ، لأنه بمعنى الحجة والبرهان ، أو متعلق بما عندكم لما فيه من معنى الاستقرار . ثم وبخهم على هذا القول العاطل عن الدليل الباطل عند العقلاء فقال : { أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْمَلُونَ } ، ويستفاد من هذا أن كل قول لا دليل عليه ، ليس هو من العلم في شيء ، بل من الجهل المحض .

/خ70