التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

ثم بين - سبحانه - ما يكون بين هذا الإِنسان الكافر وبين قرينه من الشياطين يوم القيامة ، فقال - تعالى - : { حتى إِذَا جَآءَنَا قَالَ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين فَبِئْسَ القرين } .

أى : لقد استمر هذا المعرض عن ذكر الله فى غيه . ومات على ذلك حتى إذا جاءنا يوم القيامة لحساب والجزاء ، { قَالَ } لقرينه الذى صده عن طريق الحق . .

{ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين } أى : أتمنى أن تكون المسافة التى بينى وبينك من البعد والمفارقة ، كالمسافة التى بين المشرق والمغرب .

فالمراد بالمشرقين المشرق والمغرب فعبر - سبحانه - بالمشرق على سبيل التغليب لأحدهما على الآخر .

{ فَبِئْسَ القرين } أى : فبئس القرين أنت - أيها الشيطان - فالمخصوص بالذم محذوف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَٰلَيۡتَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِينُ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يَلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظّلَمْتُمْ أَنّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : حتى إذَا جاءَنا فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن ، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين «حتى إذَا جاءانا » على التثنية بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِيَ عن ذكر الرحمن ، وقرينه الذي قيض له من الشياطين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن : حتى إذَا جاءَنا على التوحيد ، بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أنّ في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا ، الكفاية للسامع عن خبر الاَخر ، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الاَخر ، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : حتى إذَا جاءَانا هو وقرينه جميعا .

وقوله : يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المُشْرقَيْنِ يقول تعالى ذكره : قال أحد هذين القرينين لصاحبه الاَخر : وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين : أي بُعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الاَخر ، كما قيل : شبه القمرين ، وكما قال الشاعر :

أخَذْنا بآفاقِ السّماءِ عَلَيْكُمُ *** لنَا قَمَرَاهَا والنّجُومُ الطّوَالِعُ

وكما قال الاَخر :

فَبَصْرَةُ الأزْدِ مِنّا والعِرَاقُ لنَا *** والمَوْصِلانِ وَمِنّا مِصْرُ والحَرَمُ

يعني : الموصل والجزيرة ، فقال : الموصلان ، فغلب الموصل .

وقد قيل : عنى بقوله بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق ، وفي الصيف من مشرق غيره وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين ، كما قال جلّ ثناؤه : رَبّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ .

وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن سعيد الجريري ، قال : بلغني أن الكافر إذا بُعث يوم القيامة من قبره ، سفعَ بيده الشيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلكم حين يقول : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين ، فبئس القرين . وأما المؤمن فيوكّل به مَلك فهو معه حتى قال : إما يفصل بين الناس ، أو نصير إلى ما شاء الله .