التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (132)

ثم تحكى السورة الكريمة أن آل فرعون قد لجوا في طغيانهم يعمهون فقالت : { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } .

أى : قال الملأ من بنى إسرائيل لموسى بعد أن رأوا من حججه الدالة على صدقه : إنك يا موسى إن تجئنا بكل نوع من أنواع الآيات التي تستدل بها على حقية دعوتك لأجل أن تسحرنا بها ، أى تصرفنا بها عما نحن فيه ، فما نحن لك بمصدقين ، ولا لرسالتك بمتبعين .

ومنطقهم هذا يدل على منتهى العناد والجحود ، فهم قد صاروا في حالة نفسية لا يجدى معها دليل ولا ينفع فيها إقناع ، لأنهم قد أعلنوا الإصرار على التكذيب حتى ولو أتاهم نبيهم بألف دليل ودليل ، وهكذا شأن الجبارين الذين قست قلوبهم ، ومسخت نفوسهم وأظلمت مشاعرهم ، حين يدمغهم الحق ، ويطاردهم الدليل الساطع بنوره الواضح ، إنهم تأخذهم العزة بالإثم فيأبون أى لون من ألوان التفكير والتدبر .

قال الجمل : و { مَهْمَا } اسم شرط جازم - يدل على العموم - ، و { مِن آيَةٍ } بيان له ، والضميران في " به " و " بها " راجعان لمهما الأول مراعاة للفظها لإبهامه ، والثانى مراعاة لمعناها " .

وسموا ما جاء به موسى - عليه السلام - آية من باب المجاراة له والاستهزاء بها حيث زعموا أها نوع من السحر كما بنبىء عنه قولهم { لِّتَسْحَرَنَا بِهَا } .