التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .

أى : فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان .

قال الآلوسى : أى : ما طاف بهم ، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل ، فهو اسم جنس من الطواف . وقد اشتهر في طوفان الماء ، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت ، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به " .

وأرسلنا عليهم { الْجَرَادَ } فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم ، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة .

وأرسلنا عليهم { القمل } وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية ، وقيل : هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم .

وأرسلنا عليهم { الضفادع } فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم .

وأرسلنا عليهم { الدم } فصارت مياه الأنهار مختلطة به ، فمات السمك فيها ، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم .

تلك هى النقم التي أنزلها الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين ، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم ، وتكذيبهم لنبيهم - عليه السلام - .

وقوله : { آيَاتٍ } حال من العقوبات الخمس المتقدمة .

وقوله : { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون .

وقيل { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مميزا بعضها عن بعض ، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم . وكان بين كل اثنين منها شهر ، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا ، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس .

ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت :

{ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى - عليه السلام - وعما جاء به من معجزات ، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق .