مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (132)

قوله تعالى : { وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين }

اعلم أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى أنهم لجهلهم أسندوا حوادث هذا العالم لا إلى قضاء الله تعالى وقدره ، فحكى عنهم في هذه الآية نوعا آخر من أنواع الجهالة والضلالة ، وهو أنهم لم يميزوا بين المعجزات وبين السحر ، وجعلوا جملة الآيات مثل انقلاب العصا حية من باب السحر منهم . وقالوا لموسى : إنا لا نقبل شيئا منها ألبتة . وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : في كلمة { مهما } قولان : الأول : أن أصلها «ماما » الأولى هي «ما » الجزاء ، والثانية هي التي تزاد توكيدا للجزاء ، كما تزاد في سائر حروف الجزاء ، كقولهم : إما ومما وكيفما قال الله تعالى : { فإما تثقفنهم } وهو كقولك : إن تثقفنهم ، ثم أبدلوا من ألف «ما » الأولى «ها » كراهة لتكرار اللفظ ، فصار «مهما » هذا قول الخليل والبصريين . والثاني : وهو قول الكسائي الأصل «مه » التي بمعنى الكف ، أي أكفف دخلت على «ما » التي للجزاء كأنهم قالوا أكفف ما تأتنا به من آية فهو كذا وكذا .