الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (132)

{ مَهْمَا } هي «ما » المضمنة معنى الجزاء ، ضمت إليها «ما » المزيدة المؤكدة للجزاء في قولك : متى ما تخرج أخرج ، { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت } [ النساء : 78 ] ، { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } [ الزخرف : 41 ] إلاّ أنّ الألف قلبت هاء استثقالاً لتكرير المتجانسين وهو المذهب السديد البصري ، ومن الناس من زعم أن «مه » هي الصوت الذي يصوت به الكاف ، و { مَا } للجزاء ، كأنه قيل : كف ما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين .

فإن قلت : ما محل مهما ؟ قلت : الرفع بمعنى : أيما شيء تأتنا به . أو النصب ، بمعنى : أيما شيء تحضرنا تأتنا به . ومن آية : تبيين لمهما . والضميران في { بِهِ } و { بِهَا } راجعان إلى مهما ، إلاّ أنّ أحدهما ذكر على اللفظ ، والثاني أنث على المعنى ، لأنه في معنى الآية . ونحوه قول زهير :

وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِيءٍ مِنْ خَلِيقَة *** وَإنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ

وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرفها من لا يد له في علم العربية ، فيضعها غير موضعها ، ويحسب مهما بمعنى متى ما ، ويقول مهما جئتني أعطيتك ، وهذا من وضعه ، وليس من كلام واضع العربية في شيء ، ثم يذهب فيفسر { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن ءايَةٍ } بمعنى الوقت ، فَيُلْحِدْ في آيات الله وهو لا يشعر ، وهذا وأمثاله مما يوجب الجثو بين يدي الناظر في كتاب سيبويه .

فإن قلت : كيف سموها آية ، ثم قالوا لتسحرنا بها ؟ قلت : ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية ، وإنما سموها اعتباراً لتسمية موسى وقصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي .