إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ} (132)

{ وَقَالُواْ } شروعٌ في بيان بعضٍ آخَرَ مما أُخذ به آلُ فرعونَ من فنون العذاب التي هي في أنفسها آياتٌ بيناتٌ . وعدمُ ارعوائِهم مع ذلك عما كانوا عليه من الكفر والعناد أي قالوا بعد ما أرادوا ما أرادوا من شأن العصا والسنينَ ونقصِ الثمرات : { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ } كلمةُ مهما تستعمل للشرط والجزاءِ وأصلُها ما الجزائية ضُمت إليها ما المزيدةُ للتأكيد كما ضُمّت إلى أين وإن في { أَيْنَمَا تَكُونُواْ } [ النساء ، الآية 78 ] { أَمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } [ الزخرف ، 41 ] خلا أن ألِفَ الأولى قُلبت هاءً حذَراً من تكرير المتجانسين . هذا هو الرأيُ السديدُ ، وقيل : مه كلمةٌ يصوِّتُ بها الناهي ضُمّت إليها ما الشرطيةُ ومحلُّها الرفعُ بالابتداء أو النصبُ بفعل يفسره ما بعدها ، أي أيُّ شيءٍ تظهره لدينا وقوله تعالى : { منْ ءايَةٍ } بيانٌ لهما ، وتسميتُهم إياها آيةً لمجاراتهم على رأي موسى عليه السلام واستهزائِهم بها وللإشعار بأن عنوانَ كونِها آيةً لا يؤثر فيهم وقوله تعالى : { لتَسْحَرَنَا بِهَا } إظهارٌ لكمال الطغيانِ والغلوّ فيه وتسميةِ الإرشادِ إلى الحق بالسحر وتسكير الأبصار ، والضميران المجروران راجعان إلى مهما وتذكيرُ الأولِ لمراعاة جانب اللفظِ لإبهامه ، وتأنيثُ الثاني للمحافظة على جانب المعنى لتبيينه بآية كما في قوله تعالى : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } [ فاطر ، 2 ] { فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } بمصدِّقين لك ومؤمنين لنبوتك .