الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

وقوله تعالى : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفضل مِنكُمْ } [ النور : 22 ] .

المشهورُ من الروايات أَنَّ هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر رضي اللّه عنه ومِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ ، وكان من قرابة أبي بكر ، وكان أبو بكر ينفق عليه ، لمسكَنَتِهِ ، فلما وقع أمر الإفك بلغ أبا بكر أَنَّه : وقع مِسْطَحٌ مع مَنْ وقع فحلف أبو بكر : لا ينفق عليه ، ولا ينفعه بنافعة أبداً ، فجاء مِسْطَحٌ مُعْتَذِراً ، وقال : إنَّما كُنْتُ أسمع ولا أقول ، فنزلتِ الآية والفضل : الزيادة في الدِّينِ ، والسعة هنا : هي المال ، ثم قال تعالى : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } أي : كما تحبون عفوَ اللّه لكم عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم ، فيروى أنَّ أبا بكر قال : ( بلى ، إنِّي أُحِبُّ أَنْ يغفر اللّه لي ) ورَجَّعَ إلى مِسْطَحٍ ما كان يُجْرِي عليه من النفقة والإحسان ، قال ابن العربيِّ في «أحكامه » : وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أَنَّ الحنث إذا رآه الإنسان خيراً هو أولى من البر ، ولقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( فَرَأَى غَيْرُهَا خَيْراً مِنْها ، فلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) انتهى . وقال بعض الناس : هذه أرجى ، آيةٌ في كتاب اللّه عز وجل من حيث لطفه سبحانه بالقَذَفَةِ العُصَاةِ بهذا اللفظ .

قال ( ع ) : وإنَّما تعطى الآية تفضلاً من اللّه تعالى في الدنيا ، وإنَّما الرجاءُ في الآخرة ، أما أنَّ الرجاءَ في هذه الآية بقياسٍ ، أي : إذا أُمِرَ أُولِي الفضل والسعة بالعفو ، فطرد هذا التفضل بسعة رحمته سبحانه لا رَبَّ غيره ، وإنَّما آيات الرجاء : قوله تعالى : { قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] .

وقوله تعالى : { الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [ الشورى : 19 ] وسمعت أبي رحمه اللّه يقول : أرجى آيةٌ في كتاب اللّه عندي قوله تعالى : { وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] وقال بعضهم : أرجى آية قوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى } [ الضحى : 19 ] .