الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (27)

وقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُوا } [ النور : 27 ] . سبب هذه الآية فيما روى الطبريُّ : أَنَّ امرأة من الأنصار قالت : يا رسولَ اللّه ، إنِّي أَكونُ في منزلي على الحال الَّتي لاَ أُحِبُّ أَنْ يراني أحدٌ عليها ، لاَ وَالَدٌ ولا وَلَد ، وإنَّهُ لا يزالُ يدخلُ عليَّ رجلٌ مِنْ أهلي ، وأنا على تلك الحال فنزلت هذه الآية ، ثم هي عامَّةٌ في الأُمَّةِ غَابِرَ الدهر . وبيت الإنسان : هو الذي لا أحد معه فيه ، أوِ البيتَ الذي فيه زوجته أو أَمَتُهُ ، وما عدا هذا فهو غير بيته ، و{ تَسْتَأْنِسُوا } معناه : تستعملوا مَنْ في البيت ، وتستبصروا تقول : آنستُ إذا علمَتُ عن حِسٍّ وإذا أبصرتُ ومنه قوله تعالى : { آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] .

و«استأنس » وزنه : استفعل ، فكانَّ المعنى في { تَسْتَأْنِسُوا } : تطلبوا أنْ تعلموا ما يؤنسكم ويؤنس أهل البيت منكم ، وإذا طلب الإنسان أن يعلم أمر البيت الذي يريد دخوله ، فذلك يكون بالاستئذان على من فيه ، أو بأنْ يتنحنح ويُشْعِرُ بنفسه بأي وجه أمكنه ، ويَتَأَتَّى قَدْرَ ما يتحفظ منه ، ويدخل إثر ذلك ، وذهب الطبريُّ في : { تَسْتَأْنِسُوا } إلى أَنَّه بمعنى حتى تؤنسوا أهل البيت بأنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه ، وتؤنسوا نفوسكم بأن تعلموا أنْ قد شُعِرَ بكم .

قال ( ع ) : وتصريف الفعل يأْبَى أَنْ يكون من أنس ، وقرأ أُبَيُّ وابن عباس : «حتى : تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا » وصورة الاستئذان أَنْ يقول الإنسان : ( السلام عليكم ، أأدخل ) فإن أُذِنَ له دَخَل ، وإنْ أُمِرَ بالرجوع انصرف ، وإنْ سُكِتَ عنه استأذن ثلاثاً ثم ينصرف ، جاءت في هذا كله آثار ،