الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَـٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (102)

والسَّعْيُ في هذه الآيةِ : العَمَلُ والعبادةُ والمَعُونَةُ ، قاله ابن عَبَّاسٍ وغيرُهُ ، وقال قتادةُ : السَعْيُ على القَدَمِ يريدُ سَعْيَاً مُتَمَكِّنِاً ، وهذا في المعنى نَحْوُ الأوَّلِ .

وقوله : { إِنِّي أرى فِي المنام } الآية ، يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ رأى ذلِكَ بِعَيْنِهِ ؛ ورُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ ، وعُيِّنَ لَهُ وقتُ الامْتِثَالِ ، ويُحْتَمَلُ أنَّه أُمِرَ في نومِه بِذَبْحِهِ ، فَعبَّر عَنْ ذلكَ بقوله : { إِنِّي أرى } أي : أرى ما يوجبُ أنْ أذْبَحَكَ ، قال ابن العَرَبِيِّ في «أحكامه » : واعلم أن رُؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ فَمَا أُلْقِيَ إليهم ، ونَفَثَ بهِ المَلَكُ في رُوعِهِمْ ، وضَرَبَ المثَلَ لَه عَلَيْهِم فَهُو حَقٌّ ؛ ولذلكَ قَالَتْ عَائِشَةُ : وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أنَّهُ يُنْزلُ فِيَّ قُرْآنٌ يتلى ، ولكني رَجَوْتُ أنْ يرى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا حقيقةَ الرُّؤيا ، وأن البَارِيَ تعالى يَضْرِبُهَا مثَلاً للناسِ ، فمنها أسماءٌ وكُنًى ، ومنها رُؤْيَا تَخْرُج بِصِفَتِهَا ، ومنها رُؤيا تَخْرُجُ بتأويلٍ ، وهُوَ كُنْيَتُهَا . ولما اسْتَسْلَمَ إبراهيمُ وولدُه إسماعيلُ عليهما السلام لقضاءِ اللَّهِ ، أُعْطِيَ إبراهيمُ ذَبِيحاً فِدَاءً ، وقيل له : هذا فداءُ وَلَدِكَ ، فامْتَثِلْ فِيه مَا رَأَيْتَ ؛ فإنَّه حقيقةُ مَا خاطبناك فيه ، وهُو كِنَايَةٌ لاَ اسم ، وجَعَلَهُ مُصَدِّقاً للرؤيا بمبادَرةِ الامْتِثَال ، انتهى .