الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ غِلۡمَانٞ لَّهُمۡ كَأَنَّهُمۡ لُؤۡلُؤٞ مَّكۡنُونٞ} (24)

و{ لؤلؤ مكنون } أجملُ اللؤلؤ ؛ لأَنَّ الصون والكَنُّ يُحَسِّنُهُ ، قال ابن جبير : أراد الذي في الصّدَفِ لم تنله الأيدي ، وقيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا كَانَ الْغِلْمَانُ كَاللُّؤْلُؤ المَكْنُونِ فَكَيْفَ المَخْدُومُونَ ؟ قال : هُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " . ( ت ) : وهذا تقريب للأفهام ، وإلاَّ فجمال أهلِ الجَنَّةِ أَعْظَمُ من هذا ، يَدُلُّ على ذلك أحاديث صحيحة ؛ ففي «صحيح مسلم » من حديث أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ " وفي رِوَايَةٍ : " مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ على أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءَةً " ، وفي رواية : " ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ " الحديثَ ، وفي «صحيح مسلم » أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ في الجَنَّةَ لَسُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ ، وَيَزْدَادُونَ حُسْناً وَجَمَالاً ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : واللَّهِ ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً ! فَيَقُولُونَ : وَأَنْتُمْ واللَّهِ ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمَالاً " ، انتهى . وقد أشار الغَزَّاليُّ وغيره إلى طَرَفٍ من هذا المعنى ، لَمَّا تكلَّم على رؤية العارفين للَّه سبحانه في الآخرة ، قال بعد كلام : ولا يَبْعُدُ أَنْ تكونَ ألطاف الكشف والنظر في الآخرة متواليةً إلى غير نهاية ، فلا يزالُ النعيمُ واللَّذَّةُ متزايداً أبَدَ الآبادِ ، وللشيخ أبي الحسن الشاذلي هنا كلام حسن قال : لو كُشِفَ عن نور المؤمن لعبد من دون اللَّه ، ولو كُشِفَ عن نور المؤمن العاصي لطبق السماء والأرض ، فكيف بنور المؤمن المطيع ؟ ! نقل كلامه هذا ابن عطاء اللَّه وابن عَبَّاد ، انظره .