الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

وقوله سبحانه : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } اخْتُلِفَ في معنى الآية ، فقال ابن عباس ، وابن جبير ، والجمهور : أخبر اللَّه تعالى أَنَّ المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يلحق الأبناء في الجنة بمراتب الآباء ، وإنْ لم يكن الأبناء في التقوى والأعمال كالآباء ؛ كرامةً للآباء ، وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديثَ تفسيراً للآية ، وكذلك وردت أحاديث تقتضي أَنَّ اللَّه تعالى يرحم الآباء ؛ رعياً للأبناء الصالحين ، وقال ابن عباس أيضاً والضَّحَّاكُ . معنى الآية : أَنَّ اللَّه تعالى يلحق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين ، يعني في الموارثة والدفن في مقابر المسلمين ، وفي أحكام الآخرة في الجنة ، وقال منذر بن سعيد : هي في الصغار لا في الكبار ؛ قال ( ع ) : وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأَوَّل ؛ لأَنَّ الآياتِ كلَّها في صفة إحسان اللَّه تعالى إلى أهل الجنة ، فذكر من جملة إحسانِهِ سبحانه أَنَّه يرْعَى المحسنَ في المسيء ، ولفظة { أَلْحَقْنَا } تقتضي أَنَّ لِلْمُلْحَقِ بعضَ التقصير في الأعمال .

( ت ) : وأظهرُ مَنْ هذا ما أشار إليه الثعلبيُّ في بعض أنقاله : أَنَّ اللَّه تعالى يجمع لعبده المؤمن ذُرِّيَّتَهُ في الجنة ، كما كانوا في الدنيا ، انتهى . ولم يتعرَّضْ لذكر الدرجات في هذا التأويل ، وهو أحسن ؛ لأَنَّهُ قد تقرَّرَ أَنَّ رفع الدرجات هي بأعمال العاملين ، والآياتُ والأحاديث مُصَرِّحَةٌ بذلك ، ولما يلزم على التأويل الأَوَّلِ أَنْ يكونَ كُلُّ مَنْ دخل الجنةَ مع آدم عليه السلام في درجةٍ واحدة ؛ إذ هم كُلُّهم ذرِّيَّتُهُ ، وقد فتحتُ لك باباً للبحث في هذا المعنى منعني من إتمامه ما قصدته من الاختصار ، وباللَّه التوفيق .

وقوله : { وَمَا ألتناهم } أي : نقصناهم ، ومعنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانهُ يُلْحِقُ الأبناء بالآباء ، ولا يُنْقِصُ الآباء من أجورهم شيئاً ، وهذا تأويل الجمهور ، ويحتمل أَنْ يريدَ : مِنْ عمل الأَبناء من شيء من حسن أو قبيح ، وهذا تأويل ابن زيد ، ويُؤيِّدُهُ قوله سبحانه : { كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } والرهين : المُرْتَهِنُ ، وفي هذه الألفاظ وعيد ، وأمددتُ الشيءَ : إذا سرّبْتُ إليه شيئاً آخر يكثره أو يكثر لديه .