فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

( 112 ) سورة الإخلاص مكية .

وآياتها 4 ، نزلت بعد الناس .

كلماتها : 15 . حروفها : 77

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قل هو الله أحد ( 1 ) الله الصمد ( 2 ) لم يلد ولم يولد ( 3 ) ولم يكن له كفوا أحد ( 4 ) } .

المعبود بحق إله واحد ، لا إله غيره ، ولا معبود سواه ؛ بهذا بعث النبي الخاتم ، وأرسل كل رسول سبق ، وإلى هذا دعا ودعوا صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، وبهذا التوحيد والتمجيد لهجت ألسنتهم ، وعكفت على هذا الذكر أممهم ، وصدق نبينا محمد الذي لا ينطق عن الهوى ، إذ علمنا الحق والهدى : " أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله " ؛ فأول أولي العزم من المرسلين نوح عليه السلام كان أول ندائه إلى من بعث إليهم : { . . يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره . . . }{[14488]} ؛ وهود عليه السلام- وقد أرسل بعد نوح- { . . قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره . . }{[14489]} ، وبعث الله { . . إلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره . . }{[14490]} ، وأبطل إبراهيم عليه السلام ما اتخذ قومه من أوثان ، ثم نادى على التوحيد ، وشهد بذلك الكتاب المجيد في الآية الكريمة : { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين }{[14491]} ، ونودي موسى عليه السلام : { إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني . . }{[14492]} ، وكثير من الآيات جاء الأمر فيها بالتوحيد واضحا بينا ، منها الآية الكريمة : { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو . . }{[14493]} ، ومنها : { فاعلم أنه لا إله إلا الله . . }{[14494]} ، { . . وما من إله إلا إله واحد . . }{[14495]} ، { . . وما أمروا إلا ليعبدوا إلها وحدا لا إله هو . . . }{[14496]} ، حتى لقد تكرر وصف العلي الأعلى بصفة الوحدانية- صريحا- في ثلاثين آية ؛ والإقرار بالتوحيد والنطق بالشهادتين أول قواعد الإسلام ، وبها تعصم الأموال والدماء ، وفي الحديث : " فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام . . . " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " خرجه مسلم .

[ { قل هو الله أحد( 1 ) } المشهور أن { هو } ضمير الشأن ، ومحله الرفع على الابتداء ، خبره الجملة بعده{[14497]} ، ومثلها لا يكون لها رابط ؛ لأنها عين المبتدأ في المعنى ، والسر في تصديرها به التنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها ، مع ما فيه من زيادة التحقيق والتقرير ، فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر جليل ، فيبقى الذهن مترقبا لما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه ، فيتمكن عند وروده له فضل تمكن . . . {[14498]} وجوز أن يكون { هو } ضمير المسئول عنه ، أو المطلوب صفته . . فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده ، والبخاري في تاريخه ، والترمذي ، والبغوي في معجمه . . والحاكم وصححه . . عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ! انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : { قل هو الله أحد } السورة ]{[14499]} .

قال الأزهري : لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى . . .

وقال غيره : الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الواحد يدخل في الأحد ، والأحد لا يدخل فيه .

وثانيها : أنك إذا قلت : فلان لا يقاومه واحد ، جاز أن يقال : لكنه يقاومه اثنان .

وثالثها : أن الواحد يستعمل في الإثبات ، كقولك : رأيت رجلا واحدا ؛ والأحد يستعمل في النفي نحو : ما رأيت أحدا ، فيفيد العموم . قلت : ولعل وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى . . . ومن هنا قال بعضهم : إن الأحد يدل على جميع المعاني السلبية ككونه ليس بجوهر ولا عرض ولا متحيز ، وغير ذلك ، كما أن اسم { الله } يدل على مجامع الصفات . . فتبين أن قوله : { قل هو الله أحد } يدل على الذات والصفات جميعا{[14500]} .


[14488]:- سورة الأعراف. من الآية 59.
[14489]:- سورة الأعراف. من الآية 65.
[14490]:- سورة هود. من الآية 61.
[14491]:- سورة الأنعام. الآية 79.
[14492]:سورة طه. من الآية 14.
[14493]:- سورة البقرة. من الآية 163.
[14494]:- سورة محمد. من الآية 19.
[14495]:- سورة المائدة. من الآية 73.
[14496]:سورة التوبة. من الآية 31.
[14497]:- مما نقل صاحب جامع البيان: واختلف أهل العربية في الرافع لـ {أحد} فقال بعضهم: الرافع له {الله}. وقال آخر: بل هو مرفوع وإن كان نكرة بالاستئناف.. وقال آخرون: {أحد} بمعنى واحد..اهـ.
[14498]:- ثم أورد صاحب روح المعاني بحثا يزيد على أربعمائة كلمة نقل فيه عن عبد القاهر والشهاب وابن مالك والغنيمي بعض ما قالوه في ضمير الشأن والجملة الواقعة خبرا له، وهل ما صدق عليه ضمير الشأن- وهو مفرد- يخبر عنه [بما صدق] الجملة وهو مركب؟!
[14499]:- ما بين العلامتين [ ] مما أورد صاحب روح المعاني
[14500]:- ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.