فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (89)

{ إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا }

يعني إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن الإيمان فراجعوا الإيمان بالله ورسوله وصدقوا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند ربهم

{ وأصلحوا } يعني : فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره غفور يعني ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الردة فتارك عقوبته عليه وفضيحته به يوم القيامة غير مؤاخذه به إذا مات على التوبة منه ، رحيم متعطف عليه بالرحمة ]{[1053]} .

عن مجاهد قال : جاء الحرث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم كفر الحرث فرجع إلى قومه فأنزل الله عز وجل فيه القرآن { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم } إلى { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } قال فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحرث إنك والله ما علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة قال الحارث فأسلم فحسن إسلامه .

وعن الحسن : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وأقروا وشهدوا أنه حق فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم . 1ه .

قال أبو جعفر : وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن من أن الآية معني بها أهل الكتاب على ما قال ، غير أن الأخبار بالقول الآخر أكثر والقائلين به أعلم بتأويل القرآن وجاز أن يكون الله عز وجل أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدوا عن الإسلام فجمع قصتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ثم عرف عباده سننه فيهم فيكون داخلا في ذلك كل من كان كافرا فأسلم على عهد محمد صلى الله عليه وسلم ثم ارتد وهو حي عن إسلامه ، فيكون معنيا بالآية جميع هذين الصنفين وغيرهما ممن كان بمثل معناهما بل ذلك كذلك إن شاء الله فتأويل الآية إذن كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم يعني كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان قوما جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم أي بعد تصديقهم إياه وإقرارهم بما جاء به من عند ربه ، { وشهدوا أن الرسول حق } يقول : بعد أن أقروا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلقه حقا وجاءهم البينات يعني وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك ؛ { والله لا يهدي القوم الظالمين } يقول : والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظلمة وهم الذين بدلوا الحق إلى الباطل فاختاروا الكفر على الإيمان . 1ه .


[1053]:من جامع البيان