{ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد( 16 ) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد( 17 )ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد( 18 ) } .
برهان آخر على اقتدار الله الكبير المتعال المهيمن ، وسلطانه سبحانه على الخلق ، وعلمه وعظمة جنده ؛ وتحققوا أني خلقت جنس الإنسان- كما أوجدت سائر ما في الكون- وأنا أعلم علانيته وسره وما هو أخفى من سره ، أعلم حديث نفسه ، وما أنا إلا قريب ، أقرب من وريديْ العنق ، على كل صفحة من صفحتي العنق{[5315]} عرق منهما ، ونحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى الملكان الموكلان به عمله وقوله ؛ والملكان اللذان يكتبان عمل الإنسان اكتنفاه وأحاطا به من جانبيه ، يكتبان أعماله من خير أو شر فيدونانها وينسخانها ويسجلانها في صحائف ، و[ القعيد ] ليس ضد القائم ، ولكنه المقاعد المترصد المرافق الملازم - أي نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملك يخبر ، ولكنهما وُكِّلا به إلزاما للحجة وتوكيدا للأمر عليه- ، { المتلقيان }ملكان يتلقيان عملك أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك ، قال الجوهري : فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع كقوله تعالى : { إنا رسولا رب العالمين }{[5316]} وقوله { . . . والملائكة بعد ذلك ظهير }{[5317]} ، وما يتكلم الإنسان بشيء إلا تلقاه بالحفظ والكتابة { رقيب } يتابع الأحوال والأقوال ، و{ عتيد } حاضر ومهيأ معد للشهادة .
أورد صاحب روح المعاني نقولا{[5318]} فيها ذكر للملائكة الكتبة الحفظة وماذا يكتبون ؛ نورد بعضها : واختلف فيما يكتبانه ، فقال الإمام مالك ، وجماعة : يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض ؛ وفي شرح الجوهرة للقاني : مما يجب اعتقاده أن لله تعالى ملائكة يكتبون أفعال العباد من خير أو شر أو غيرهما ، قولا كانت أو عملا أو اعتقادا ، همّا كانت أو عزما أو تقريرا ، اختارهم سبحانه لذلك فهم لا يهملون من شأنهم شيئا فعلوه قصدا وتعمدا ، أو ذهولا ونسيانا ، صدر منهم في الصحة أو في المرض . . . وذهب إلى أن المباح لا يكتبه أحد منهما لأنه لا ثواب فيه ولا عقاب ، والكتابة للجزاء ، فيكون مستثنى حكما من عموم الآية ، وروى ذلك عن عكرمة . . . . في شعب الإيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى وكّل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قال الملكان اللذان وكلا به : قد مات فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني فيقولان : أنقيم في الأرض فيقول الله تعالى : أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني فيقولان فأين ؟ فيقول : قوما على قبر عبدي فسبحاني واحمداني وكبراني واكتبا ذلك لعبدي يوم القيامة ) . وجاء أنه يكتب للمريض والمسافر ما كان يعمل في الصحة والإقامة من الحسنات . . أخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( من مرض أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحا مقيما ) . . ثم إن الملائكة الذين مع الإنسان ليسوا محصورين بالملكين الكاتبين . . ملكان بالليل ، وملكان بالنهار . . أه .
أقول : ومما يشهد لما أشار إليه أخيرا قول الله –تبارك وتعالى- : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله . . }{[5319]} وما صح في الحديث : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ) .
نقل الطبري بسنده عن قتادة قال : تلا الحسن { . . عن اليمين وعن الشمال قعيد }قال ، فقال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } حتى بلغ { حسيبا }{[5320]} عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك . أه ، .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.