الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

وقوله { ومريم ابنة عمران } هو عطف على قوله امرأة فرعون { التي أحصنت فرجها }

أي عفت وحفظت { فنفخنا فيه من } جيب درعها من { روحنا } فسر في سورة الأنبياء { وصدقت بكلمات ربها وكتبه } آمنت بما أنزل الله على الأنبياء { وكانت من القانتين } أي من القوم المطيعين لله أي انها أطاعت فدخلت في جملة المطيعين لله من الرجال والنساء

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

قوله تعالى : " ومريم ابنة عمران " أي واذكر مريم . وقيل : هو معطوف على امرأة فرعون . والمعنى : وضرب الله مثلا لمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود . " التي أحصنت فرجها " أي عن الفواحش . وقال المفسرون : إنه أراد بالفرج هنا الجيب لأنه قال : " فنفخنا فيه من روحنا " وجبريل عليه السلام إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها . وهي في قراءة أبي " فنفخنا في جيبها من روحنا " . وكل خرق في الثوب يسمى جيبا ، ومنه قوله تعالى : " وما لها من فروج{[15167]} " [ ق : 6 ] . ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها . ومعنى " فنفخنا " أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها " من روحنا " أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى . وقد مضى في آخر سورة " النساء " بيانه مستوفى{[15168]} والحمد لله . " وصدقت بكلمات ربها " قراءة العامة " وصدقت " بالتشديد . وقرأ حميد والأموي " وصدقت " بالتخفيف . " بكلمات ربها " قول جبريل لها : " إنما أنا رسول ربك " [ مريم : 19 ] الآية{[15169]} . وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة الله . وقد تقدم{[15170]} . وقرأ الحسن وأبو العالية " بكلمة ربها وكتابه " ، وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم " وكتبه " جمعا . وعن أبي رجاء " وكتبه " مخفف التاء . والباقون " بكتابه " على التوحيد . والكتاب يراد به الجنس ، فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى . " وكانت من القانتين " أي من المطيعين . وقيل : من المصلين بين المغرب والعشاء . وإنما لم يقل من القانتات ؛ لأنه أراد وكانت من القوم القانتين . ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها ، فإنهم كانوا مطيعين لله . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : " أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل الله في الكره خيرا فإذا قدمت على ضَرَّاتِك{[15171]} فأقرئيهن مني السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة{[15172]} أو قال حكيمة{[15173]} بنت عمران أخت موسى بن عمران ) . فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله . وروى قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حسبك من نساء العالمين أربع مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم ) . وقد مضى في ( آل عمران ) الكلام في هذا مستوفى والحمد لله .


[15167]:راجع جـ 17 ص 6.
[15168]:راجع جـ 6 ص 83.
[15169]:راجع جـ 11 ص 91.
[15170]:راجع جـ 4 ص 260.
[15171]:أخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى".
[15172]:في ب، ح، ز، س، ط، ل، هـ: "كلمة".
[15173]:في ب، ح، ز، س، ط، ل، هـ: "حليمة".
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

{ أحصنت فرجها } يعني : الفرج الذي هو الجارحة وإحصانها له هو صيانتها وعفتها عن كل مكروه .

{ فنفخنا فيه من روحنا } عبارة عن نفخ جبريل في فرجها ، فخلق الله فيه عيسى عليه السلام وأضاف الله الروح إلى نفسه إضافة مخلوق إلى خالقه ، وفي ذلك تشريف له .

{ وصدقت بكلمات ربها وكتابه } كلمات ربها يحتمل أن يريد بها الكتب التي أنزل الله أو كلامه مع الملائكة وغيرهم ، وكتابه بالإفراد يحتمل أن يريد به التوراة أو الإنجيل أو جنس الكتب وقرئ بالجمع يعني : جميع كتب الله { من القانتين } أي : من العابدين ، فإن قيل : لم قال من القانتين بجمع المذكر وهي أنثى ؟ فالجواب : أن القنوت صفة تجمع الرجال والنساء فغلب الذكور .