الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

قوله : { وَمَرْيَمَ } : عطفٌ على " امرأةَ فرعونَ " ضَرَب الله تعالى المَثَل للكافرين بامرأتَيْن وللمؤمنين بامرأتَيْن . وقال أبو البقاء : " ومريم أي : واذكر مريمَ . وقيل : ومَثَل مريمَ " انتهى . وهذا لا حاجةَ إليه مع ظهور المعنى الذي ذكرْتُه .

وقرأ العامَّةُ " ابنةَ " بنصب التاء . وأيوب السُّخْتياني بسكون الهاء وَصْلاً ، أَجْرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ . والعامَّةُ أيضاً " فَنَفَخْنا فيه " أي : في الفَرْج . وعبد الله " فيها " أي : في الجُملة . وتقدَّم في الأنبياء مثله .

والعامَّةُ أيضاً " وصَدَّقَتْ " بتشديد الدال . ويعقوبُ وقتادةُ وأبو مجلز وعاصمٌ في روايةٍ بتخفيفِها أي : صَدَقَتْ فيما أخبرَتْ به من أمرِ عيسى عليه السلام . والعامَّة على " بكلمات " جمعاً . والحسن ومجاهد والجحدري " بكلمة " بالإِفراد . فقيل : المرادُ بها عيسى لأنه كلمة الله . وتقدَّم الخلافُ في كتابة " وكتبه " في أواخر البقرة . وقرأ أبو رجاء " وكُتْبِه " بسكون التاء وهو تخفيفٌ حسنٌ ، ورُوي عنه " وكَتْبِه " بفتح الكاف . قال أبو الفضل : مصدرٌ وُضِع مَوْضِعَ الاسمِ يعني : ومكتوبِه .

قوله : { مِنَ الْقَانِتِينَ } يجوزُ في " مِن " وجهان ، أحدهما : أنها لابتداء الغاية . والثاني : أنها للتبعيضِ ، وقد ذكرهما الزمخشريُّ فقال : " ومِنْ للتبعيض . ويجوزُ أَنْ تكونَ لابتداء الغاية ، على أنَّها وُلِدَتْ من القانتين ؛ لأنها من أعقابِ هارونَ أخي موسى عليهما السلام " . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : لِم قيل : " من القانتين " على التذكير ؟ قلت : لأنَّ القُنوتَ صفةٌ تَشْمل منْ قَنَتَتْ من القبيلَيْن ، فغلَّب ذكورَه على إناثِه .