الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

وقوله : { التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } الجمهورُ أنه فَرْجُ الدِّرْعِ ، وقال قوم : هو الفَرْجُ الجَارِحَةُ وإحْصَانُه صَوْنُه .

وقولُه سبحانه : { فَنَفَخْنَا فِيهِ } عبارةٌ عَنْ فِعل جبريلَ ، ( ت ) : وقد عَكَسَ رحمه اللَّه نَقْلَ ما نَسَبَهُ للجمهورِ في سورةِ الأنبياءِ فقال : المَعْنَى واذْكُرِ الَّتي أحصنتْ فَرْجَها وهو الجارِحَة المعروفةُ ، هذا قولُ الجمهورِ ، انظر بقيةَ الكلامِ هناك .

وقوله سبحانه : { مِن رُّوحِنَا } إضافةُ مخلوقٍ إلى خالقٍ ، ومملوك إلى مالكٍ ، كما تقول بَيْتُ اللَّهِ ، ونَاقَةُ اللَّهِ ، وكذلك الرُّوحُ الجنسُ كلُّه هو روح اللَّه ، وقرأ الجمهور : { وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا } بالجَمْعِ فَيُقَوِّي أنْ يريدَ التوراةَ ، ويحتملُ أنْ يريدَ أمْرَ عيسَى ، وَقَرَأ الجحدري : ( بِكَلِمِة ) فَيُقَوِّي أنْ يريدَ أمْرَ عيسى ، ويحتملُ أنْ يريدَ التوراةَ ، فتكونُ الكلمةُ اسْمُ جنسٍ ، وقرأ نافع وغيره : «وكِتَابِهِ » وقرأ أبو عمرو وغيره : «وَكُتُبِهِ » بضم التاء وَالجَمْعِ ، وذلك كلَّه مرادٌ بهِ التوراةُ والإنْجِيلُ ، قال الثعلبيُّ : واختار أبو حاتم قراءةَ أبي عمرٍو بالجَمْعِ لعمومِها ، واختار أبو عبيدة قِراءَة الإفْرَادِ ؛ لأن الكتَابَ يُرَادُ به الجنسُ ، انتهى ؛ وهو حَسَنٌ ، { وَكَانَتْ مِنَ القانتين } أي : من القوم القانتينَ ؛ وهم المطيعونَ العابِدونَ ، وقد تقدَّم بيانُه .