الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا} (23)

{ فَأَجَاءهَا } أجاء : منقول من جاء ، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء . ألا تراك تقول : جئت المكان وأجاءنيه زيد ، كما تقول : بلغته وأبلغنيه . ونظيره «آتي » حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ، ولم تقل : أتيت المكان وآتانيه فلان . قرأ ابن كثير في رواية «المِخَاضُ » بالكسر . يقال : مخضت الحامل مخاضا ومِخاضاً ، وهو تمخض الولد في بطنها .

طلبت الجذع لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة ، وكان جذع نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمرة ولا خضرة ، وكان الوقت شتاء ، والتعريف لا يخلو : إمّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق ، كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة متعالم عند الناس ، فإذا قيل : جذع النخلة فهم منه ذلك دون غيره من جذوع النخل . وإمّا أن يكون تعريف الجنس ، أي : جذع هذه الشجرة خاصة ، كأن الله تعالى إنما أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو حرسة النفساء الموافقة لها . ولأن النخلة أقل شيء صبراً على البرد ، وثمارها إنما هي من جمارها ، فلموافقتها لها مع جمع الآيات فيها اختارها لها وألجأها إليها . [ { قَالَتْ ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا } ] قرىء «مِتُّ » بالضم والكسر ، يقال : مات يموت ومات يمات . النسيّ : ما من حقه أن يطرح وينسى ، كخرقة الطامث ونحوها ، كالذبح : اسم ما من شأنه أن يذبح في قوله تعالى : { وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [ الصافات : 107 ] وعن يونس : العرب إذا ارتحلوا عن الدار قالوا : انظروا أنساءكم ، أي : الشيء اليسير نحو العصا والقدح والشظاظ ، تمنت لو كانت شيئاً تافها لا يؤبه له ، من شأنه وحقه أن ينسى في العادة وقد نسي وطرح فوجد فيه النسيان الذي هو حقه ، وذلك لما لحقها من فرط الحياء والتشوّر من الناس على حكم العادة البشرية ، لا كراهة لحكم الله ، أو لشدّة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة وبضدّ ما قرفت به ، من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام : أن تعرف اغتباطك بأمر عظيم وفضل باهر تستحق به المدح وتستوجب التعظيم ، ثم تراه عند الناس لجهلهم به عيباً يعاب به ويعنف بسببه ، أو لخوفها على الناس أن يعصوا الله بسببها . وقرأ ابن وَثَّاب والأعمش وحمزة وحفص «نسياً » بالفتح . قال الفراء : هما لغتان كالوتر والوتر ، والجسر والجسر . ويجوز أن يكون مسمى بالمصدر . كالحمل . وقرأ محمد بن كعب القرظي «نسأ » بالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ، ينسؤه أهله لقلته ونزارته . وقرأ الأعمش «منسيا » بالكسر على الإتباع ، كالمغيرة والمنخر .