الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّٗا} (72)

عن ابن عباس رضي الله عنه : يردونها كأنها إهالة . وروي دواية . وعن جابر بن عبد الله . أنه سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال : " إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ قالَ بعضُهُمْ لبعضٍ : أليسَ قدْ وعدَنَا رَبنا أنْ نردَ النارَ ، فيقالُ لَهُمْ : قدْ وردتمُوها وهي خامدةٌ " وعنه رضي الله عنه أنه سُئِل عن هذه الآية ؟ فقال : سمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الورودُ الدخولُ ، لا يبقَى بَرٌ ولا فاجرٌ إلاَّ دخلها ، فتكونُ على المؤمنِينَ برَداً وسلامَاً كَما كانَتْ على إبراهيمَ ، حتَّى إنَّ للنارِ ضجيجَاً مِنْ بردهِا " وأما قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] فالمراد عن عذابها . وعن ابن مسعود والحسن وقتادة : هو الجواز على الصراط ؛ لأنّ الصراط ممدود عليها . وعن ابن عباس : قد يرد الشيءُ الشيءَ ولا يدخله ، كقوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] ووردت القافلة البلد ، وإن لم تدخله ولكن قربت منه . وعن مجاهد : ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا ، بقوله عليه الصلاة والسلام : " الحمّى من فيح جهنم " وفي الحديث " الحمّى حظ كل مؤمن من النار " ويجوز أن يراد بالورود : جثوّهم حولها . وإن أريد الكفار خاصة ، فالمعنى بيِّن .

الحتم : مصدر حتم الأمر إذا أوجبه ، فسمى به الموجب ، كقولهم : خلق الله ، وضرب الأمير ، أي : كان ورودهم واجباً على الله ، أوجبه على نفسه وقضى به ، وعزم على أن لا يكون غيره { ثُمّ نُنَجِّي ا لَّذِينَ ا تَّقَواْ } قرىء { نُنَجِّى } و«ننجى » و«ينجى » و«ينجى » على ما لم يسم فاعله . إن أريد الجنس بأسره فهو ظاهر ، وإن أريد الكفرة وحدهم فمعنى { ثُمَّ نُنَجِّى الذين اتقوا } أنّ المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار ، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون . وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري وابن أبي ليلى «ثَمَّ ننجى » بفتح الثاء ، أي هناك . وقوله : { وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً } دليل على أنّ المراد بالورود الجثوّ حواليها ، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد تجاثيهم ، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين .