الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ} (55)

أي : تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها ، وأن الله إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ، ولا الأنثى للأنثى ، فهي مضادّة لله في حكمته وحكمه ، وعلمكم بذلك أعظم لذنوبكم وأدخل في القبح والسماجة . وفيه دليل على أن القبيح من الله أقبح منه من عبادة ؛ لأنه أعلم العالمين وأحكم الحاكمين . أو تبصرونها بعضكم من بعض ، لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معالنين بها ، لا يتستر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة ، وإنهماكاً في المعصية ، وكأن أبا نواس بني على مذهبهم قوله :

وَبُحْ بِاسْمِ مَا تَأْتِي وَذَرْنِي مِنَ الْكُنَى *** فَلاَ خَيْرَ فِي اللَّذَّاتِ مِنْ دُونِهَا سِتْرُ

أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم .

فإن قلت : فسرت تبصرون بالعلم وبعده { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } فكيف يكونون علماء وجهلاء ؟ قلت : أراد : تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك . أو تجهلون العاقبة . أو أراد بالجهل . السفاهة والمجانة التي كانوا عليها

فإن قلت : { تَجْهَلُونَ } صفة لقوم ، والموصوف لفظه لفظ الغائب ، فهلا طابقت الصفة الموصوف فقرىء بالياء دون التاء ؟ وكذلك بل أنتم قوم تفتنون ؟ قلت : اجتمعت الغيبة والمخاطبة ، فغلبت المخاطبة ، لأنها أقوى وأرسخ أصلاً من الغيبة .