الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (4)

فإن قلت : مم استثنى قوله { إِلاَّ الذين عاهدتم } ؟ قلت : وجهه أن يكون مستثنى من قوله : { فَسِيحُواْ فِى الأرض } [ التوبة : 2 ] لأن الكلام خطاب للمسلمين . ومعناه : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين . فقولوا لهم سيحوا ، إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم والاستثناء بمعنى الاستدراك ، وكأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين ، ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ، ولا تجروهم مجراهم ، ولا تجعلوا الوفيَّ كالغادر { إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين } يعني أنّ قضية التقوى أن لا يسوّي بين القبيلين فاتقوا الله في ذلك { لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً } لم يقتلوا منكم أحداً ولم يضروكم قط { وَلَمْ يظاهروا } ولم يعاونوا { عَلَيْكُمْ } عدوّاً ، كما عدت بنو بكر على خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظاهرتهم قريش بالسلاح حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشد :

لاَهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا *** حِلْفَ أبِينَا وَأبِيكَ الأتْلَدَا

إن قُرَيْشاً أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا *** وَنَقَضُوا ذِمَامكَ الْمُؤَكَّدَا

هُمْ بَيَّتُونَا بِالْحَطِيمِ هُجَّدا *** وَقَتَلُونَا رُكَّعاً وَسُجَّدَا

فقال عليه الصلاة والسلام : " لا نصرت إن لم أنصركم " وقرئ : «لم ينقضوكم » ، بالضاد معجمة أي لم ينقضوا عهدكم . ومعنى { فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ } فأدّوه إليهم تامّاً كاملاً . قال ابن عباس رضي الله عنه : بقي لحيّ من كنانة من عهدهم تسعة أشهر ، فأتمّ إليهم عهدهم .