التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (4)

قوله تعالى : { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين } الاستثناء من حيث عودة فيه قولان . أحدهما : أنه عائد إلى { براءة } والتقدير هو { براءة من الله ورسوله } إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد .

ثانيهما : أنه مستثنى من قوله : { فسيحوا في الأرض } لأن الكلام خطاب للمسلمين فيكون المعنى : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ، فقالوا لهم : سيحوا إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم ، ولا تجروهم مجراهم ، ولا تجعلوا الوفي كالغادر . وهذا قول الزمخشري في الكشاف .

قوله : { ثم لم ينقضوكم شيئا } أي لم يقع منهم أيما نقص في الوفاء بعدهم { ولم يظهروا عليكم أحدا } أي لم يعانوا عليكم أحدا من أعدائكم { فأتموا إليهم عاهدهم إلى مدتهم } أي أدوا عهدهم الذي عاهدتموهم إلى مدتهم وإن كانت أكثر من أربعة أشهر . فلا تعاملوا الأوفياء معاملة الناكثين الغادرين بعد المدة المذكورة .

قال ابن عباس في هذا الصدد : بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم .

قوله : { إن الله يحب المتقين } الذين يوفون بعدهم ؛ فإن من شيم الإيمان وعلائم التقوى : الصدق في القول ، والوفاء في العهود والمواثيق{[1721]} .


[1721]:فتح القدير جـ 2 ص 336 والكشاف جـ 2 ص 174 وتفسير الرازي جـ 15 ص 232.