نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (4)

ولما أعلمهم بالبراءة وبالوقت الذي يؤذن بها فيه ، وكان معنى البراءة{[35616]} منهم أنه لا عهد لهم ، استثنى بعض المعاهدين فقال : { إلا الذين عاهدتم } أي أوقعتم بينكم وبينهم عهداً { من المشركين ثم } أي بعد طول المدة اتصفوا بأنهم { لم ينقصوكم شيئاً } أي من الأمارات الدالة على الوفاء في أنفسهم كما نقض بنو الديل من بني بكر في قتالهم لخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم { ولم يظاهروا } أي يعاونوا معاونة تظهر { عليكم أحداً } أي من أعدائكم كما ظاهرت قريش حلفاءهم من بني الديل على حلفائكم من خزاعة { فأتموا } وأشار إلى بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال{[35617]} : { إليهم عهدهم إلى مدتهم } أي وإن طالت ؛ قال البغوي : وهم بنو ضمرة حي من كنانة ، وكان قد بقي من عهدهم{[35618]} تسعة أشهر ، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا ؛ وقال النحاس : ويقال : إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ؛ وقال أبو محمد البستي : حدثنا قتيبة قال{[35619]} : ثنا الحجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : كان بين بني مدلج وخزاعة عهد ، وهم الذين قال الله { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } .

ولما كانت محافظتهم على عهدهم من أفراد التقوى ، وكان الأمر بالإحسان إلى شخص من أفعال المحب ، قال تعالى معللاً : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { يحب المتقين* } أي يفعل بهم وبكم أفعال المحب ، فهو قول حاث للكل على التقوى ، وكل ينزله على ما يفهم ، فهو من الإعجاز الباهر .


[35616]:زيد بعده في الأصل: مفهم، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[35617]:من ظ، وفي الأصل : قال.
[35618]:في معالم التنزيل: مدتهم ـ راجع لباب التأويل 3/50.
[35619]:زيد لاستقامة العبارة.