فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ} (4)

{ إلا الذين عاهدتم من المشركين } قال ابن عباس : هم قريش ، وقال قتادة : هم مشركوا قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية ، وقيل هم بنو ضمرة حي من كنانة ، وعن محمد بن عبادة هم بنو جذيمة بن عامر من بني بكر ابن كنانة .

قال أبو السعود { إلا الذين } الخ استدراك من النبذ السابق الذي أخر فيه القتال أربعة أشهر ، كأنه قيل لا تمهلوا الناكثين فوق أربعة أشهر ، لكن الذين عاهدتموهم ثم لم ينكثوا عهدهم فلا تجروهم مجرى الناكثين في المسارعة إلى قتالهم بل أتموا إليهم عهدهم ، ولا يضر في ذلك تخلل الفاصل بقوله تعالى : { وأذان من الله ورسوله } الخ لأنه ليس بأجنبي بالكلية ، بل هو أمر بإعلام تلك البراءة ، كأنه قيل وأعلموها .

وقيل هو استثناء متصل من المشركين الأول ، ويرده بقاء الثاني على العموم مع كونهما عبارة عن فريق واحد ، وجعله استثناء من الثاني يأباه بقاء الأول كذلك ، وقيل هو استدراك من المقدر في { فسيحوا } أي قولوا لهم سيحوا أربعة أشهر لكن الذين عاهدتم منهم .

{ ثم لم ينقصوكم شيئا } من شروط الميثاق ولم يقتلوا منكم أحدا ولم يضروكم قط أي لم يقع منهم أي نقص وإن كان يسيرا ، وقرأ عكرمة وعطاء ابن يسار بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم ، وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه ، فأذن الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم بنقض عهد من نقض ، وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته .

وقرأ الجمهور بالصاد المهملة ، قال الكرماني : قراءة المعجمية مناسبة لذكر العهد فإن من نقض العهد فقد نقص من المدة إلا أن قراءة العامة أوقع لمقابلتها التمام ، وكلمة ثم للدلالة على ثباتهم على عهدهم مع تمادي المدة .

{ ولم يظاهروا } المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا { عليكم أحدا } من أعدائكم كما عدت بنو بكر على خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظاهرتهم قريش بالسلاح { فأتموا إليهم عهدهم } أي أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص { إلى مدتهم } التي عاهدتموهم إليها وإن كانت أكثر من أربعة أشهر ، ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا وهي أربعة أشهر أو خمسون يوما على الخلاف السابق .

{ إن الله يحب المتقين } الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد ، قال السدي : فلم يعاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد هؤلاء الآيات أحدا .