اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (110)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ } الآية .

لمَّا بيَّن إصرار كُفَّار مكَّة على إنكارِ التَّوحيدِ ، وبيَّن إصرارهم على إنكار نُبُوَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بكتابه ، بيَّن أنَّ هؤلاء الكُفَّار كانوا على هذه السيرة الفاجرةِ ، مع كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- ، وضرب لذلك مثلاً ، وهي إنزالُ التوراة على موسى فاختلفوا فيه فقبله بعضهم وأنكره بعضهم ، وذلك يدلُّ على أنَّ عادة الخلق هكذا .

قوله : { فاختلف فِيهِ } أي : في الكتابِ ، و " في " على بابها من الظَّرفية ، وهو هنا مجاز ، أي : في شأنه . وقيل : هي سببية ، أي : هو سببُ اختلافهم ، كقوله تعالى : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [ الشورى : 11 ] أي : يُكثِّرهم بسببه . ومعنى اختلافهم فيه : أي : فمن مصدق به ومكذب كما فعل قومك بالقرآن ، يُغَزِّي نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم .

وقيل : " فِي " بمعنى " عَلَى " ويكون الضّمير لموسى - عليه الصلاة والسلام- أي : فاختلف عليه " ولْولاَ كملةٌ سبقتْ من ربِّكَ " في تأخير العذاب عنهم : " لقُضِيَ بينَهُم " أي : لعذَّبُوا في الحالِ ، لكن قضاؤه أخَّر ذلك عنهم في دنياهم .

وقيل : معناه أنَّ الله إنَّما يحكم بين المختلفين يوم القيامة ، وإلاَََّ لكان الواجب تمييز المُحقِّ من المبطل في دار الدنيا .

وقيل : المعنى ولولا أنَّ رحمته سبقت غضبه ، وإلاَّ لقضي بينهم . ثم قال : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } يعني أنَّ كفَّار مكَّة لفي شكِّ من هذا القرآن " مُريبٍ " من أراب إذا حصل الرِّيب لغيره ، أو صار هو في نفسه ذا رَيْب ، وقد تقدَّم .