اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ} (25)

قوله : { والذين يَنقُضُونَ } مبتدأ ، والجملة من قوله { أولئك لَهُمُ اللعنة } خبره ، والكلام في " اللعنة " تقدم في " عُقْبَى الدَّارِ .

ولما ذكر صفة السعداء وما يترتب عليها من الأحوال الشريفة ، ذكر صفة الأشقياء وما يترتب عليها من الأحوال المخزية ، وأتبع الوعد بالوعيد فقال عز وجل { والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } وقد تقدم أن عهد الله ما ألزم عباده مما يجب الوفاء به وهذا في الكفار ، والمراد من نقض العهد : ألا ينظر في الأدلة وحينئذ لا يكون العمل بموجبها أو ينظر ويعلم صحتها ثم يعاند فلا يعمل بعمله أو ينظر في الشبهة فيعتقد خلاف الحق ، والمراد من قوله : " مِن بَعْدِ ميثاقهِ " أن وثق الله تلك الأدلة وأحكامها .

فإن قيل : العهد لا يكون إلا مع الميثاق ، فما فائدة اشتراطه بقوله : { مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } ؟ .

فالجواب : لا يمتنع أن يكون المراد بالعهد هو ما كلف العبد به والمراد بالميثاق الأدلة ؛ لأنه تعالى قد يؤكد [ العهد ] بدلائل أخر سواء كانت تلك المؤكدات دلائل عقلية أو سمعية .

ثم قال { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ } فيدخل فيه قطع كل ما أوجب الله وصله مثل : أن يؤمنوا ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض ، ويقطعون وصل الرسول بالموالاة والمعاونة ، ووصل المؤمنين ووصل الأرحام وسائر ما تقدم .

ثم قال : { وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض } إما بالدعاء إلى غير دين الله وإما بالظلم كما في النفوس والأموال وتخريب البلاد ثم قال : { أولئك لَهُمُ اللعنة } وهي الإبعاد من خيري الدنيا والآخرة { وَلَهُمْ سواء الدار } وهي جنهم .