مكية في قول الحسن ، وعكرمة ، وجابر{[1]} . وقال ابن عباس ، وقتادة – رضي الله عنهم – وهي مكية إلا اثنتين{[2]} ، وقيل : ثلاث من قوله -تعالى- : { ألم إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا } [ الآية : 28 ] إلى قوله -تعالى- : { فإن مصيركم إلى النار } فإنها مدنية .
وهي اثنتان وخمسون آية ، وعدد كلماتها ثمان مائة وإحدى وثلاثون كلمة وعدد حروفها ثلاث آلاف وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا .
قال ابن الخطيب{[3]} : ومتى لم يكن في السورة ما لا يتصل بالأحكام فمكة والمدينة فيه سواء ، وإنما يختلف الغرض في ذلك إذا حصل في السورة ناسخ ومنسوخ ؛ فيكون فيه فائدة عظيمة والله أعلم .
قوله تعالى : { الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يجوز أن يرتفع " كِتابٌ " على أنَّه خبر ل " الر " : إن قلنا : إنَّها مبتدأ ، والجملة بعد صفة ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا ، وأن يرتفع بالابتداء خبره الجملة بعده ، وجاز الابتداء بالنكرة ؛ لأنَّها موصوفة تقديراً ، تقديره : كتاب ، أي : كتاب يعني عظيماً من بين الكتب السماوية .
قالت المعتزلة{[19100]} : النَّازلُ ، والمنزلُ لا يكون قديماً .
والجواب : أنَّ الموصوف بالمنزل هو هذه الحروف وهي محدثةٌ .
قوله : { لِتُخْرِجَ الناس } متعلق ب " أنْزَلناهُ " . وقرئ{[19101]} ( ليَخْرُجَ الناس ) بفتح الياءِ وضمِّ الراء ، من خَرَجَ يَخْرُجُ . " النَّاسُ " رفعاً على الفاعليَّة .
قالت المعتزلة : اللاَّم في " لِتُخْرِجَ " لام الغرض والحكمة ، تدلُّ على أنه -تعالى- إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض ، فدل على أنَّ أقوال الله -تعالى- وأفعاله معللة برعاية المصالح .
وأجيب : بأن من فعل فعلاً لأجل شيءٍ آخر ، فهذا إنَّما يفعله إذا كان عاجزاً عن تحصيل ذلك المقصود إلاَّ بهذه الواسطة ، وذلك محالٌ في حقِّ الله -تعالى- ، وإذا ثبت بالدَّليل منع تعليل أفعال الله -تعالى- وأحكامه بالعلل ؛ ثبت أنَّ كل ظاهر أشعر به فهو مؤول على معنى آخر .
قوله تعالى : { مِنَ الظلمات } أي : لتدعوهم من ظلمات [ الظَّلال ]{[19102]} إلى نُورِ الإيمان .
قال القاضي{[19103]} رحمه الله : هذه الآية تبطل القول بالجبر من جهات :
أحدها : أنَّه -تعالى- لو خلق الكفر في الكافر ، فكيف يصحُّ إخراجه منه الكتاب .
وثانيها : أنَّه -تعالى- أضاف الإخراج من الظُّلمات إلى النور إلى الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- فإن كان خالق الكفر هو الله -تعالى- فكيف يصحُّ من الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- إخراجهم منه ، وكان للكافر أن يقول : إنَّك تقول : إن الله خلق الكفر فينا فكيف يصحُّ منك أن تخرجنا ؟ .
فإن قال لهم : أنا أخرجكم من الظُّلماتِ التي هي كفر مستقبل لا واقع فلهم أن يقولوا : إنه كان الله سيخلقه فينا لم يصح ذلك الإخراج ، وإن لم يخلقه الله فنحن خارجون منه بلا إخراج .
وثالثها : أنه -صلوات الله وسلامه عليه- إنَّما يخرجهم من الكفر بالكتاب بأن يتلوه عليه ليتدبروه ؛ ولينظروا فيه فيعلموا بالنَّظر ، والاستدلال كونه -تعالى- علماً قادراً حكيماً ، ويعلموا بكون القرآن معجزة صدق الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- فحينئذ يقبلوا منه كلَّ ما جاءهم من الشَّرائع ، وذلك إنَّما يكون إذا كان الفعل لهم ويقع باختيارهم ، ويصحُّ منهم أن يقدموا عليه ويتصرَّفوا فيه .
والجواب عن الكل : أن يقال : الفعل الصادر من العبد .
إمَّا أن يصدر عنه حال استواء الدَّاعي إلى الفعل والترك .
أو حال رجحان أحد الطرفين على الآخر .
والأول باطل ؛ لأنَّ صدور الفعل يقتضي رجحان جانب الوجودِ على جانب العدم وحصول الرُّجحان حال حصول الاستواء محال ، والثاني عين قولنا ؛ لأنَّه يمتنع صدور الفعل عنه ألاَّ بعد حصول الرجحان ، فإن كان ذلك الرجحان منه عاد السؤال ، وإن لم يكون منه بل من الله ، فحينئذ يكون المؤثر الأول هو الله -تعالى- وهو المطلوب .
قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } يجوز أن يتعلق بالإخراج ، أي : بتيسيره وتسهيله ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حالٌ من قال : " يُخْرِجُ " أي : مأذوناً لك .
وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد مخلوق لله تعالى ، فإنَّ قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } معناه : أنَّ الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لا يمكنه إخراج النَّاس من الظلمات إلى النُّور إلا بإذن الله تعالى .
والمراد بهذا الإذن : إما الأمر وإما العلم وإما المشيئة والخلق ، وحمل الإذن على الأمر محالٌ ، لأنَّ الإخراج من الجهلِ إلى العلم لا يتوقف على الأمر فإنَّهُ سواء حصل الأمر أم لم يحصل ، فإنَّ الجهل متميزٌ على العلم ، والباطل متيمزٌ عن الحقّ .
وأيضاً : حمل الإذن على العلم محال ؛ لأنَّ العلم يتبع المعلوم على ما هو عليه فالعلمُ بالخروج من الظُّلمات إلى النُّور تابع لذلك الخروج ، ولا يمتنع أن يقال : إن حصول ذلك الخروج تابع للعلم بحصول ذلك الخروج ، ولما بطل هذان القسمان لم يبق إلا أن المراد من الإذن : المشيئة ، والتخليق ، وذلك يدلُّ على أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لا يمكنه إخراج النَّاس من الظلمات إلى النُّور إلاَّ بمشيئة الله -تعالى- .
فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد من الإذن الإلطاف ؟ .
فالجواب : لفظ الإذن مجمل ، ونحن نفصل القول فيه .
فنقول : المراد بالإذن إمَّا أن يكون أمراً يقتضي رجحان جانب الوجود على جانب العدم ، أو لا يقتضي ذلك ، فإن كان الثاني لم يكن له فيه أثر ألبتة ، وامتنع أن يقال : إنه إنَّما حصل بسببه ، ولأجله فبقي الأول ، وهو أنَّ المراد من الإذن معنى يقتضي رجحان ترجيح جانب الوجود على جانب العدم ، ومتى حصل الرجحان فيه حصل الوجود ولا معنى لذلك إلا الداعية الموجبة وهو قولنا .
دلّت الآية على أنَّ طرق الكفر ، والضلالات كثيرة ، وأنَّ طريق الحقّ ليس إلاَّ واحداً ؛ لأنَّ الله -تعالى- عبر عن الجهلِ ، والكفر بالظلمات ، وهي صيغة جمع ، وعبَّر عن الإيمان والهداية بالنُّور وهو لفظ مفردٌ .
قوله : { إلى صِرَاطِ } فيه وجهان :
أحدهما : أنه بدلٌ من قوله " إلى النُّورِ " بإعادة العامل ، ولا يضر الفصل بالجارّ ؛ لأنه من معمولات العامل في المبدل منه .
والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنَّه جواب سؤال مقدَّر ، كأنه قيل : إلى أيِّ نورٍ ؟ فقيل : " إلى صِرَاطِ " ، والمراد بالصِّراط : الدّين والعزيز هو الغالب و " الحَمِيدِ " المستحق للحمد .
وقد قدر ذكر العزيز على ذلك الحميدِ ؛ لأنَّ أول العلم بالله العلم بكونه -تعالى- قادراً ، ثمَّ بعد ذلك يعلم كونه عالماً ، ثمَّ بعد ذلك يعلم كونه غنيًّا عن جميع الحاجات والعزيز هو القادر ، والحميدُ هو العالم الغنيّ ؛ فلذلك قدّم ذكر " العَزيز " على ذكر " الحَميد " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.