الأول : قوله : { الذين يَسْتَحِبُّونَ } يجوز أن يكون مبتدأ ، خبره : " أوْلئِكَ " وما بعده .
وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هم الَّذينَ .
وأن يكون منصوباً بإضمار فعل على [ المدح ]{[19113]} فيهما .
وأن يكون مجروراً على البدل ، أو البيان ، أو النعت ، قاله الزمخشريُّ{[19114]} ، وأبو البقاء{[19115]} والحوفي وغيرهم .
ورده أبو حيان{[19116]} : بأن فيه الفصل بأجنبيّ ، وهو قوله -جل ذكره- { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } قال : " ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدَّارُ لِزيدِ الحَسنةُ القُرشِي وهذا لا يجوز ، لأنك فصلت بين " زَيْدٍ " وصفته بأجنبي منهما ، وهو صفة الدَّار وهو لا يجوز ، والتركيب الصحيح أن تقول : الدَّارُ الحسنةُ لزيدٍ القُرشيِّ ، أو الدَّارُ لزَيدٍ القُرشي الحَسنَةُ " .
و " يَسْتحِبُّونَ " استفعل فيه بمعنى أفْعَلَ ، كاسْتَجابَ بمعنى أجَابَ ، أو يكون على بابه ، وضمن معنى الإيثار ، ولذلك تعدّى ب " عَلَى " .
وقرأ الحسن{[19117]} : " يُصدُّونَ " بضم الياء من " أصَدَّ " ، و " أصَدَّ " منقولٌ من " صَدَّ " اللازم ، والمفعول محذوف ، أي : غيرهم أو أنفسهم ، ومنه قوله : [ الطويل ]
أنَاسٌ أصَدُّوا النَّاسَ بالسَّيْفِ عَنهُمْ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[19118]}
{ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } تقدم مثله [ آل عمران : 99 ] .
قوله تعالى : { الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة } فيه إضمار تقديره : يستحبّون الحياة الدنيا ، ويؤثرونها على الآخرة ؛ فجمع -تعالى- بين هذين الوصفين ليبين بذلك أن الاستحباب للدُّنيا وحده لا يكون مذموماً إلاَّ أن يضاف إليه إيثارها على الآخرة ، [ وأما ]{[19119]} من أحبَّها ليصل بها إلى منافع النَّفس بثوابِ الآخرة ؛ فذلك لا يكونُ مذموماً .
والنوع الثاني من أوصاف الكفار : قوله -عزَّ وجلَّ- { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله } أي : يمنعوا النَّاس من قبول دين الله .
والنوع الثالث من تلك الصفات قوله : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } . واعلم أنَّ الإضلال على مرتبتين .
الأولى : أن يسعى في صدّ الغير .
والثانية : أن يسعى في إلقاء الشُّكوكِ ، والشبهات في المذهب الحق ، ويحاول تقبيح الحق بكل ما يقدر عليه من الحيلِ ، وهذا هو النهاية في الضلال ، والإضلال ، وإليه أشار بقوله : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } .
قال الزمخشريُّ{[19120]} : " الأصل في الكلام أن يقال : ويبغون لها عوجاً ؛ فحذف الجار وأوصل الفعل " .
وقيل : الهاء راجعة إلى الدُّنيا معناه : يطلبون الدُّنيا على طريق الميل عن الحق ، أي : بجهة الحرام .
ولما ذكر الله -تعالى- هذه المراتب قال في وصفهم : { أولئك فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } وإنَّما وصف الله -تعالى- هذا الضلال بالبعد لوجوهٍ :
الأول : أنَّ أقصى مراتب الضلال هو البعد عن الطريق الحقّ ، فإنَّ شرط الضدين أن يكونا في غاية التَّباعدِ كالسَّواد ، والبياض .
الثاني : أن المراد بعد ردّهم عن الضَّلال إلى الهدى .
الثالث : أن المراد بالضَّلال : الهلاك ، والتقدير : أولئك في هلاك يطُولُ عليهم فلا ينقطع ، وأراد بالبعد : امتداده وزوال انقطاعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.