قوله تعالى : { على شَاكِلَتِهِ } : متعلق ب " يَعْمَلُ " ، والشَّاكلةُ : أحسنُ ما قيل فيها ما قاله الزمخشريُّ والزجاج : أنها مذهبه الذي يشاكلُ حاله في الهدى والضلالة ؛ من قولهم : " طريقٌ ذو شَواكلَ " ، وهي الطرقُ التي تَشعَّبتْ منه ؛ والدليل عليه قوله تعالى : { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً } ، وقيل : على دينه ، وقيل : خلقه{[20670]} ، وقال ابن عباسٍ : " جانبه " {[20671]} وقال الحسن ، وقتادة{[20672]} : على نيَّته . وقال الفراء{[20673]} : " على طَريقتهِ ، والمذهب الذي جبل عليه " .
[ وهو ] من " الشَّكلِ " وهو المثل ؛ يقال : لست على شكْلِي ، ولا شَاكلتي ، وأمَّا " الشَّكلُ " بالكسر فهو الهيئة ؛ يقال : جاريةٌ حسنة الشِّكلِ ، وقال امرؤ [ القيس ] في " الشَّكل " بالفتح : [ الكامل ]
حَيِّ الحُمولَ بِجانبِ العَزْلِ *** إذْ لا يُلائِمُ شَكلُهَا شَكْلِي{[20674]}
قال ابن الخطيب{[20675]} : والذي يقوى عندي : أنَّ المراد من المشاكلة ما قاله الزجاج ، والزمخشريُّ ؛ لقوله بعد ذلك : { فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً } [ الإسراء : 84 ] .
وفيه وجه آخر : وهو أنَّ المراد : أن كلَّ أحد يفعل على وفق ما يشاكله جوهر نفسه ، ومقتضى روحه ، فإن كانت مشرقة ، ظاهرة ، علوية ، صدرت منه أفعالٌ فاضلةٌ ، وإن كانت نفسه كدرة خبيثة [ مضلَّةً ظُلمانيَّة ، صدرت عنه أفعال خسيسة ]{[20676]} فاسدةٌ .
وأقول : اختلف العقلاء في أنَّ النفوس الناطقة البشريَّة ، هل هي مختلفةٌ بالماهيَّة ، أم لا ؟ .
منهم من قال : إنَّها مختلفةٌ بالماهيَّة ، وإنَّ اختلاف أحوالها وأفعالها لاختلاف جواهرها وماهيَّاتها .
ومنهم من قال إنها متساوية في الماهيّة ، واختلاف أحوالها وأفعالها لاختلاف أمزجتها .
والمختار عندي : هو القسم الأوَّل ، والقرآن يشعر به ؛ لأنه تعالى بيَّن في الآية المتقدمة : أنَّ القرآن بالنِّسبة إلى البعض يفيد الشِّفاء ، والرحمة ، وبالنِّسبة إلى الآخرين يفيد الخسار ، والخزي ، ثم أتبعه بقوله : { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ } .
ومعناه : أن اللائق بتلك النُّفوس أن يظهر فيها القرآن الخير وآثار الذكاء والكمال وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار ، وتسوِّد وجهه ، وهذا الكلام لا يتم المقصود به ، إلاَّ إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة ماهيَّاتها ، فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نورٌ على نورٍ ، وبعضها كدرةٌ ظلمانية ، ويظهر فيها من القرآن ضلال عل ضلالٍ ، ونكالٌ على نكالٍ . قوله : " أهْدَى " يجوز أن يكون من " اهْتدَى " ؛ على حذف الزوائد ، وأن يكون من " هَدَى " المتعدِّي ، وأن يكون من " هَدَى " القاصر ، بمعنى " اهتدى " . وقوله " سَبِيلاً " تمييزٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.