" أم " في أم هذه ثلاثة أقوال :
أحدها وهو المشهور : أنها منقطعة والمنقطعة تقدر ب " بل " ، وهمزة الاستفهام .
وبعضهم يقدرها ب " بل " وحدها ، ومعنى الإضراب انتقال من شيء إلى شيء لا إبطال .
ومعنى الاستفهام الإنكار والتوبيخ فيؤول معناه إلى النفي ، أي : بل أكنتم شهداء يعني لم تكونوا .
الثاني : أنها بمعنى همزة الاستفهام ، وهو قول ابن عطية والطبري ، إلا أنهما اختلفا في محلها .
فإن ابن عطية قال : و " أم " تكون بمعنى ألف الاستفهام في صدر الكلام ، لغة يمانية .
وقال الطبري : إن أم يستفهم بها وسط كلام قد تقدم صدره .
قال أبو حيان في قول ابن عطية : " ولم أقف لأحد من النحويين على ما قال " .
وقال في قول الطبري : وهذا أيضاً قول غريب .
الثالث : أنها متصلة ، وهو قول الزمخشري .
قال الزمخشري بعد أن جعلها منقطعة ، وجعل الخطاب للمؤمنين قال بعد ذلك : وقيل : الخطاب لليهود ؛ لأنهم كانوا يقولون : ما مات نبي إلا على اليَهُودية ، إلا أنهم لو شهدوه ، وسمعوا ما قاله لبنيه ، وما قالوه لظهر لهم حرصُه على ملّة الإسلام ، وَلَمَا ادَّعوا عليه اليهودية ، فالآية الكريمة مُنَافية لقولهم ، فكيف يقال لهم : أم كنتم شهداء ؟
ولكن الوجه أن تكون " أم " متصلة على أن يقدر قبلها محذوف كأنه قيل : أَتَدَّعُون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء ، يعني أن أوائلكم من بني إسرائيل كانوا مشاهدين له إذْ أراد بنيه على التوحيد وملّة الإسلام ، فما لكم تَدَّعُونَ على الأنبياء ما هم منه براء ؟
قال أبو حيان : ولا أعلم أحداً أجاز حذف هذه الجملة ، لا يحفظ ذلك في شعر ولا غيره ، لو قلت " أم زيد " تريد : " أقام عمرو أم زيد " لم يجز ، وإنما يجوز حذف المعطوف عليه مع الواو والفاء إذا دلّ عليه دليل كقولك : " بلى وعمراً " لمن قال : لم يضرب زيداً ، وقوله تعالى : { فَانفَجَرَتْ }
[ البقرة : 60 ] أي فضرب فانفجرت ، وندر حذفه مع " أو " ؛ كقوله : [ الطويل ]
799- فَهَلْ لَكَ أَوْ مِنْ وَالِدٍ لَكَ قَبْلَنَا *** . . .
أي : من أخ أو والد ، ومع حتى كقوله : [ الطويل ]
800- فَوَاعَجَبَا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي *** كَأَنَّ أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَوْ مُجَاشِعُ
أي : يسبني الناسُ حتى كليبٌ ، على نظر فيه ، وإنما الجائز حذف " أم " مع ما عطفت كقوله : [ الطويل ]
801- دَعَانِي إِلَيْهَا الْقَلْبُ إِنِّي لأَمْرِهِ *** سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا
أي : أم غَيٌّ ، وإنما جاز ذلك ؛ لأن المستفهم على الإثبات يتضمّن نقيضه ، ويجوز حذف الثواني المقابلات إذا دلّ عليها المعنى ، ألا ترى إلى قوله :
{ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [ النحل : 81 ] كيف حذف و " الْبَرْدَ " انتهى .
و " شهداء " خبر كان ، وهو جمع شاهد أو شهيد ، وقد تقدم أول السورة .
قوله : " إذ حضر " إذ منصوب بشهداء على أنه ظرف لا مفعول به أي : شهداء وقت حضور الموت إياه ، وحضور الموت كناية عن حضور أسبابه ومقدماته ؛ قال الشَّاعر : [ البسيط ]
802- وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالعُذْرِ وَالْتَمِسُوا *** قَوْلاً يُبَرِّئُكُمْ إِنِّي أَنَا الْمَوْتُ
أي : أنا سببه ، والمشهور نصب " يعقوب " ، ورفع " الموت " ، قدم المفعول اهتماماً وقرأ بعضهم بالعكس .
وقرئ : " حَضِر " بكسر الضاد ، قالوا : والمضارع يَحْضُر بالضم شاذ ، وكأنه من التداخل وقد تقدم .
قوله : " إذْ قَالَ " ، " إذ " هذه فيها قولان :
أحدهما : بدل من الأولى ، والعامل فيها ، إما العامل في " إذ " الأولى إن قلنا : إن البدل لا على نية تكرار العامل ، أو عامل مضمر إن قلنا بذلك .
قوله : " مَا تَعْبُدُونَ " ، ما اسم استفهام في محلّ نصب ؛ لأنه مفعول مقدم بتعبدون ، وهو واجب التقديم ؛ لأن له صدر الكلام ، وأتى ب " ما " دون " من " لأحد أربعة معانٍ .
أحدها : أن " ما " للمبهم أمره ، فإذا عُلِم فُرّق ب " ما " و " مَنْ " .
[ قال الزمخشري : وكفاك دليلاً قول العلماء : " مَن " لما يعقل .
الثاني : أنها سؤال عن صفة المعبود ] .
قال الزمخشري : كما تقول : ما زيد ؟ تريد : أفقيه أم طبيب ، أم غير ذلك من الصفات ؟
الثالث : أن المعبودات في ذلك الوقت كانت غير عقلاء ، كالأوثان والأصنام والشمس والقمر ، فاستفهم ب " ما " التي لغير العاقل ، فعرف بَنُوه ما أراد ، فأجابوه عنه بالحق .
الرابع : أنه اختبرهم وامتحنهم فسألهم ب " ما " دون " من " ، لئلا يَطْرُق لهم الاهتداء ، فيكون كالتلقين لهم ، ومقصوده الاختبار .
الأول : أن " ما " عام في كل شيء ، والمعنى : أي شيء تعبدون .
والثاني : قوله : " مَا تَعْبُدُونَ " كقولك عند طلب الحد والرسم ما الإنسان ؟
وقوله : " مِنْ بَعْدي " أي : بعد موتي .
قوله : { قَالُواْ : نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ } .
تمسّك المُقَلِّدة بهذه الآية الكريمة قالوا : إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد ، ولم ينكره عليهم .
والجواب : أن هذا ليس تقليداً ، وإنما هو إشارة إلى ذكر الدليل على وجود الصَّانع كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }
[ البقرة : 21 ] فهاهنا المراد من قوله : { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ } أي : نعبد الإله الذي دلّ عليه وجودك ، ووجود آبائك .
قال القَفّال : وفي بعض التفاسير أن يعقوب عليه السلام لما دخل " مصر " رأى أهلها يعبدون النيران والأوثان ، فخاف على بنيه بعد وفاته ، فقال لهم هذا القول تحريضاً لهم على التمسّك بعبادة الله تعالى .
وحكى القاضي عن ابن عباس : أن يعقوب عليه السَّلام جمعهم إليه عند الوفاة ، وهم كانوا يعبدون الأوثان والنيران ، فقال : يا بني ما تبعدون من بعدي ؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك .
ثم قال القاضي : هذا بعيد لوجهين :
الأول : أنهم بادروا إلى الاعتراف بالتوحيد مبادرة من تقدم منه العلم واليقين .
الثاني : أنه تعالى ذكر في الكتاب حال الأَسْبَاط من أولاد يعقوب ، وأنهم كانوا قوماً صالحين ، وذلك لا يليق بحالهم .
[ وقال عطاء : إن الله لم يقبض نبياً حتى يخيره بين الموت والحياة ، فلما خير يعقوب قال : أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ؛ ففعل ذلك به ، فجمع ولده وولد ولده ، وقال لهم : قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي ؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ، والعرب تسمي العم أباً كما تسمي الخالة أماً ، وسيأتي الكلام على ذلك قريباً إن شاء الله تعالى ] .
وقال القَفَّال : وقيل : إنما قدّم ذكر إسماعيل على إسحاق ؛ لأن إسماعيل [ كان أسنّ من إسحاق ] .
قوله : " وَإِلَهَ آبَائِكَ " أعاد ذكر الإله ، لئلا يَعْطِفَ على الضمير المجرور دون إعادة الجار ، والجمهور على " آبائك " .
وقرأ الحسن ويحيى وأبو رجاء : " أبيك " .
وقرأ أُبّي : " وَإلهَ إِبْرَاهِيمَ " فأسقط " آبائك " .
وفي " إبراهيم " وما بعده حينئذ ثلاثة أوجه :
والثاني : أنه عطف بيان ، ومعنى البدلية فيه التفصيل .
الثالث : أنه منصوب بإضمار " أعني " فالفتحة على هذا علامة للنصب ، وعلى القولين قبله علامة للجر لعدم الصَّرْف ، وفيه دليل على تسمية الجَدِّ والعم أباً ، فإن إبراهيم جده وإسماعيل عمه ، كما يطلق على الخالة أمّ ، ومنه : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ } [ يوسف : 100 ] في أحد القولين .
قال بعضهم : وهذا من باب التَّغليب ، يعني : أنه غلب الأب على غيره ، وفيه نظر ، فإنه قد جاء هذا الإطلاق حيث لا تثنية ولا جمع ، فيغلب فيهما .
وأما قراءة " أبيك " فتحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مفرداً غير جمع ، وحينئذ فإما أن يكون واقعاً موقع الجمعِ أو لا ، فإنْ كان واقعاً موقع الجمع ، فالكلام في " إبراهيم " وما بعده كالكلام فيه على القراءة المشهورة . وإن لم يكن واقعاً موقعَهُ ، بل أريد به الإفراد لفظاً ومعنى ، فيكون " إبراهيم " وحده على الأوجه الثلاثة المتقدمة ، ويكون إسماعيل وما بعده عطفاً على " أبيك " ، أي : وإله إسماعيل .
الثاني : يكون جمع سلامة بالياء والنون ، وإنما حذفت النون للإضافة ، وقد جاء جمع أب على " أبُونَ " رفعاً ، و " أبين " جراً ونصباً ، حكاها سيبويه ؛ قال الشاعر : [ المتقارب ]
803- فَلَمَّا تَبَيَّنَّ أصْوَاتَنَا *** بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَا
804- فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنَّا أَخُوكُمْ *** . . .
والكلام في إبراهيم وما بعده كالكلام فيه بعد جمع التكسير . وإسحاق : علمٌ أعجميٌّ ، ويكون مصدر أسحق ، فلو سُمِّي به مذكرٌ لانصرف ، والجمع : أساحقةٌ وأساحيق .
قال القرطبي : ولم ينصرف إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ؛ لأنَّها أعجميةٌ .
قال الكسائيُّ : وإن شِئْتَ صرفت " إسحاق " ، وجعلته من السّحق ، وصرفت " يعقوب " وجعلته من الطَّير .
وسمى الله تعالى كل واحد من العم والجد أباً ، وبدأ بذكر الجد ، ثم إسماعيل العم ؛ لأنَّهُ أكبر من إسحاق .
فصل في تحرير اختلاف الفقهاء في كون الجد أباً
ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الجد أب ، وأسقط به الإخوة ، والأخوات ، وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس وعائشة ، وجماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن التابعين ، والحسن ، وطاوس وعطاء .
وذهب الشافعي إلى أن الجد لا يسقط الإخوة والأخوات للأب ، وهو قول عمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وهو قول مالك ، وأبي يوسف ومحمد .
واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بأدلة منها هذه الآية الكريمة ، وأنه أطلق لفظ الأب على الجد .
فإن قيل : قد أطلقَهُ على العمِّ ، وهو إسماعيل مع أنه ليس بأب اتفاقاً .
فالجواب : الأصل في الاسْتِعْمَال الحقيقة وترك العمل به في العم لدليل قام به ، فيبقى في الثاني حجة .
والثاني منها قوله تبارك وتعالى مخبراً عن يوسف : { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } [ يوسف : 38 ] .
ومنها : ما روى عطاء عن ابن عباس أنَّهُ قال : من شاء لاَعَنْتُهُ عند الحجر الأسود أنّ الجدَّ أب .
وقال أيضاً : ألا لا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابناً ، ولا يجعل أب الأب أباً .
واحتجَّ الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه بأدلّة :
منها : { وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } [ البقرة : 132 ] فلم يدخل يعقوب في بنيه ، بل ميَّزه عنهم ، فلو كان الصاعد في الأبوَّة أباً لكان النازل في البنوَّة ابناً في الحقيقة ، فلما لم يكن كذلك ثبت أن الجدَّ ليس بأب [ ومنها أن الأب لا يصح نفي اسم الأبوة عنه بخلاف الجد ، فعلمنا أنه حقيقة في الأب مجاز في الجد ] . ولو كان الجد أباً على الحقيقة لما صح لِمَنْ مات أبُوه وجدُّه حَيٌّ أن ينفي أنَّ له أباً ، كما لا يصح في الأب القريب ، ولما صح ذلك علمنا أنه ليس بأب في الحقيقة .
فإن قيل : اسم الأبوة وإن حصل في الكل إلا أنَّ رُتْبَةَ الأدنى أقْرَبُ من رتبةِ الأبعد ، فلذلك صح فيه النفي .
فالجواب : لو كان الاسم حقيقة فيهما جميعاً لم يكن الترتيب في الوجود سبباً لنفي اسم الأب عنه .
ومنها : لو كان الجد أباً على الحقيقة لصحَّ القول بأنَّهُ مات ، وخلف أُمًّا وآباء كثيرين ، وذلك مما لم يطلقه أحدٌ من الفقهاء ، وأرباب اللغة ، والتفسير .
ومنها : [ لو كان الجدُّ أباً ولا شكَّ ] أنَّ الصحابة عارفون باللغة لما كانوا يختلفون في ميراث الجد ، ولو كان الجد أباً لكانت الجدة أُمًّا ، ولو كان كذلك لما وقعت الشُّبهة في ميراث الجدة حتى يحتاج أبو بكر رضي الله عنه إلى السؤال عنه ، [ فهذه الدلائل دلت على أنَّ الجدَّ ليس بأب ] .
ومنها : قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ }
[ النساء : 11 ] فلو كان الجدُّ أباً لكان ابن الابن ابناً لا محالة ، فكان يلزم بمقتضى هذه الآية حصول الميراث لابن الابن مع قيام الابن ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الجد ليس بأب .
وأما الجواب عن الآية الكريمة فمن وجهين :
الأول : أنه قرأ أُبيّ : " وإلهَ إبْرَاهِيمَ " بطرح " آبائك " إلاَّ أنَّ هذا لا يقدح في الغرض ؛ لأن القراءة الشاذَّة لا تدفع القراءة المتواترة .
بل الجواب أن يقال : إنَّه أطلق لفظ الأب على الجدِّ وعلى العمِّ .
وقال عليه الصلاة والسلام في العبَّاس : " هَذَا بَقِيَّةُ آبَائِي " .
وقال : " رُدُّوا عَلَيَّ أبي ، فإنِّي أخْشَى أنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودِ " ، فدلنا ذلك على أنَّهُ ذكره على سبيل المجاز ، ولو كان حقيقة لما كان كذلك .
وأمَّا قول ابن عباس فإنما أطلق الاسم عليه نظراً إلى الحكم الشرعي ، لا إلى الاسم اللغوي ؛ لأن اللغات لا يقع الخلاف فيها بين أهل اللِّسَان .
قوله : " إلهاً واحداً " فيه ثلاثة أَوْجُهٍ :
أحدها : أَنَّهُ بَدَلٌ من " إلهك " بدل نكرة موصوفة من معرفة كقوله : { بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ } [ العلق : 15 16 ] .
والبصريون لا يشترطون الوصف مستدلين بقوله : [ الوافر ]
805- فَلاَ وَأَبِيكِ خَيْرٍ مِنْكِ إِنِّي *** لَيُؤْذِينِي التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ
ف " خير " بدلٌ من " أبيك " ، وهو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ .
والثاني : أنَّهُ حال من " إلهك " والعامل فيه " نعبد " ، وفائدة البدل والحال التنصيص على أنَّ معبودهم فَرْدٌ إذْ إضافة الشيء إلى كثير تُوهِم تَعْدَادَ المضاف ، فنصَّ بها على نفي ذلك الإبهام . وهذه الحال تسمى " حالاً مُوَطِّئة " ، وهي أن تذكرها ذاتاً موصوفة ، نحو : جاء زيد رجلاً صالحاً .
الثالث ، وإليه نَحَا الزَّمَخْشرِيُّ : أن يكون منصوباً على الاختصاص ، أي : نريد بإلهك إلهاً واحداً .
قال أبو حيَّان رحمه الله : وقد نصّ النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرةً ولا مبهماً .
قوله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } في هذه الجملة ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها معطوفةٌ على قوله : " نعبد " يعني : أنها تتمّةُ جوابهم له ، فأجابوه بزيادة .
والثاني : أنهَّا حال من فاعل " نعبد " ، والعامل " نعبد " .
والثالث ، وَإليه نَحَا الزَّمخشري : ألاَّ يكون لها محل ، بل هي جملة اعتراضيّة مؤكدة ، أي : ومن حالنا أنَّا له مخلصون .
قال أبو حيّان : ونصّ النحويون على أنَّ جملة الاعتراض هي التي تفيد تقويةً في الحكم ، إمّا بين جزئَيْ صلة وموصول ؛ كقوله : [ البسيط ]
806- مَاذَا وَلاَ عَتْبَ في المَقْدُورِ رُمْتَ أَمَا *** يَكْفِيكَ بِالنُّجْحِ أمْ خُسْرٌ وتَظْلِيلُ
807- ذَاكَ الَّذِي وَأَبِيكَ يَعْرِفُ مالِكاً *** وَالحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهَاتِ البَاطِلِ
أو من مُسْنَد ومُسْنَد إليه كقوله : [ الطويل ]
808- وَقَدْ أَدْرَكَتْنِي والحَوَادِثُ جَمَّةٌ *** أَسِنَّةُ قَوْمٍ ضِعَافٍ وَلاَ عُزْلِ
أو بين شرط وجزاء ، أو قسم وجوابه ، مما بينهما تلازم .
وهذه الجملة قبلها كلامٌ مستقل عمّا بعدها ، لا يُقَال : إنَّ بين المشار إلَيْهِ وبين الإخبار عنه تلازماً ؛ لأنَّ ما قبلها من مقول بني يعقوب ، وما بعدها من كلام الله تعالى ، أخبر بها عنهم ، والجملة الاعتراضية إنما تكون من الناطق بالمتلازمين لتوكيد كلامه . انتهى ملخصاً .
وقال ابن عطية : { ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ابتداء وخبر ، أي : كذلك كنا ، ونحن نكون .
قال أبو حيان : يظهر منه أنَّهُ جعل هذه الجملة عطفاً على جملةٍ محذوفة ، ولا حاجة إليه .