قولهُ تعالى : " أُولَئِكَ " مبتدأٌ ، و " صَلَوَاتٌ " مبتدأٌ ثان ، و " عَلَيْهِمْ " خبرهُ مُقَدَّمٌ عليه ، والجملةُ خبر قوله : " أُولَئِكَ " .
ويجوز أن تكون " صلوات " فاعلاً بقوله : " عليهم " .
قال أبو البقاء : لأنه قد قوي بوقوعه خبراً .
والجملة من قوله " أولئك " وما بعده خبر " الذين " على أحد الأوجه المتقدمة ، أو لا محلّ لها على غيره من الأوجه .
و " قالوا " هو العامل في " إذا " ؛ لأنه جوابها وتقدم الكلام في ذلك وأنها هل تقتضي التكرار أم لا ؟
قولهُ تعالى : " وَرَحْمَةٌ " عطف على الصلاة ، وإن كانت بمعناها ، فإن الصلاة من الله رحمة ؛ لاختلاف اللفظين كقوله : [ الوافر ]
848 - وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ*** وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنَا{[11]}
849 - أَلاَ حَبَّذَا هِندُ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ *** وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ{[12]}
قولُه تعالى : " مِنْ رَبِّهِمْ " فيه وَجْهَانِ :
أَحدُهما : أنه متعلق بمحذوف ؛ لأنه صَفةٌ ل " صلوات " و " من " للابتداءِ ، فهو في مَحَلِّ رفع ، أيْ : صلوات كائنة مِنْ رَبِّهم .
والثَّانِي : أنه يتعلق بما تضمنه قولُه " عَلَيْهِمْ " من الفعل إذَا جعلناه رَافعاً ل " صلوات " رفع الفاعل ، فعلى الأول ، يكون قد حذف الصفة بعد " رَحْمَة " أَيْ : ورحمة منه .
وعلى الثَّانِي : لاَ يَحْتَاجُ إلى ذلك .
وقولُه : " وأُولَئِكُ هُمْ الْمُهْتَدُونَ " نَظيرُ : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
أَحَدُهَا : أنهم هم المهتدون لهذه الطَّرِيقَةِ المُوصّلَةِ بصاحبها إلى كل خير .
وثَانِيهَا : المُهْتدُونَ إلى الجنَّةِ الفائزون بالثواب .
وثَالِثُها : المُهْتدُونَ لسائِر ما لزمهم .
قال أَبُو الْبَقَاءِ : " هُمُ المُهْتَدُونَ " هُمْ : مُبْتَدأٌ أو توكيد أو فصل .
فإن قِيلَ : لِمَ أَفْرَدَ الرحْمَةَ وجَمَعَ الصَّلَواتِ ؟
فالجوابُ : قال بعضُهم : إن الرحمَةَ مصدرٌ بمعنى التعطُّف والتحنُّن ، ولا يجمعُ و " التَّاءُ " فيها بمنزلتها في الملّة والمحبّةِ والرأْفَةِ ، والرحمةُ ليست للتحذيرِ ، بل مَنْزِلتُها في مرية وثمرة ، فكما لا يُقالُ : رقات ولا خلات ولا رأفات ، لا يُقال : رَحَمات ، ودخول الجمعُ يُشْعرُ بالتحذِيرِ والتقييد بعده ، والإفْرَادُ مُطْلقاً مِنْ غَيْر تَحْدِيدٍ ، فالإفْرَادُ - هنا - أَكْملُ وأكثرُ مَعْنًى من الجمع ؛ لأنه زيد بمدلول المفرد أكثر مِنْ مدلولِ الجَمْعِ ، ولهذا كان قولُه تَعَالى :
{ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [ الأنعام : 149 ] أَعَمَّ وأَتَمَّ مَعْنًى مِنْ أَنْ يُقالَ : لِلَّهِ الحُجَجُ البَوالِغُ ، وكذا قولُه : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
[ إبراهيم : 34 ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ أنْ يُقالَ : وإنْ تَعَدُّوا نِعَمَ الله لا تُحْصُوها ، وقولُه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً }
[ البقرة : 201 ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ قوله : حَسَناتٍ ، وقولُه : { بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } [ آل عمران : 174 ] ، أتَمُّ معنى من قوله : بنعمٍ ، ونظائِرهُ كَثِيرةٌ .
وأما الصّلوات فالمراد بها درجات الثَّوَاب ، وهي إنما تحصل شيئاً بَعْدَ شَيْءٍ ، فكأنه دلّ على الصِّفَةِ المقصوُدَةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.