اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

قولهُ تعالى : " أُولَئِكَ " مبتدأٌ ، و " صَلَوَاتٌ " مبتدأٌ ثان ، و " عَلَيْهِمْ " خبرهُ مُقَدَّمٌ عليه ، والجملةُ خبر قوله : " أُولَئِكَ " .

ويجوز أن تكون " صلوات " فاعلاً بقوله : " عليهم " .

قال أبو البقاء : لأنه قد قوي بوقوعه خبراً .

والجملة من قوله " أولئك " وما بعده خبر " الذين " على أحد الأوجه المتقدمة ، أو لا محلّ لها على غيره من الأوجه .

و " قالوا " هو العامل في " إذا " ؛ لأنه جوابها وتقدم الكلام في ذلك وأنها هل تقتضي التكرار أم لا ؟

قولهُ تعالى : " وَرَحْمَةٌ " عطف على الصلاة ، وإن كانت بمعناها ، فإن الصلاة من الله رحمة ؛ لاختلاف اللفظين كقوله : [ الوافر ]

848 - وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ*** وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنَا{[11]}

وقوله : [ الطويل ]

849 - أَلاَ حَبَّذَا هِندُ وَأَرْضٌ بِهَا هِنْدٌ *** وَهِنْدٌ أَتَى مِنْ دُونِهَا النَّأْيُ وَالْبُعْدُ{[12]}

قولُه تعالى : " مِنْ رَبِّهِمْ " فيه وَجْهَانِ :

أَحدُهما : أنه متعلق بمحذوف ؛ لأنه صَفةٌ ل " صلوات " و " من " للابتداءِ ، فهو في مَحَلِّ رفع ، أيْ : صلوات كائنة مِنْ رَبِّهم .

والثَّانِي : أنه يتعلق بما تضمنه قولُه " عَلَيْهِمْ " من الفعل إذَا جعلناه رَافعاً ل " صلوات " رفع الفاعل ، فعلى الأول ، يكون قد حذف الصفة بعد " رَحْمَة " أَيْ : ورحمة منه .

وعلى الثَّانِي : لاَ يَحْتَاجُ إلى ذلك .

وقولُه : " وأُولَئِكُ هُمْ الْمُهْتَدُونَ " نَظيرُ : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

[ البقرة : 5 ] وفيه وجوهٌ :

أَحَدُهَا : أنهم هم المهتدون لهذه الطَّرِيقَةِ المُوصّلَةِ بصاحبها إلى كل خير .

وثَانِيهَا : المُهْتدُونَ إلى الجنَّةِ الفائزون بالثواب .

وثَالِثُها : المُهْتدُونَ لسائِر ما لزمهم .

فَصْلٌ في الكلام في الآية

قال أَبُو الْبَقَاءِ : " هُمُ المُهْتَدُونَ " هُمْ : مُبْتَدأٌ أو توكيد أو فصل .

فإن قِيلَ : لِمَ أَفْرَدَ الرحْمَةَ وجَمَعَ الصَّلَواتِ ؟

فالجوابُ : قال بعضُهم : إن الرحمَةَ مصدرٌ بمعنى التعطُّف والتحنُّن ، ولا يجمعُ و " التَّاءُ " فيها بمنزلتها في الملّة والمحبّةِ والرأْفَةِ ، والرحمةُ ليست للتحذيرِ ، بل مَنْزِلتُها في مرية وثمرة ، فكما لا يُقالُ : رقات ولا خلات ولا رأفات ، لا يُقال : رَحَمات ، ودخول الجمعُ يُشْعرُ بالتحذِيرِ والتقييد بعده ، والإفْرَادُ مُطْلقاً مِنْ غَيْر تَحْدِيدٍ ، فالإفْرَادُ - هنا - أَكْملُ وأكثرُ مَعْنًى من الجمع ؛ لأنه زيد بمدلول المفرد أكثر مِنْ مدلولِ الجَمْعِ ، ولهذا كان قولُه تَعَالى :

{ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [ الأنعام : 149 ] أَعَمَّ وأَتَمَّ مَعْنًى مِنْ أَنْ يُقالَ : لِلَّهِ الحُجَجُ البَوالِغُ ، وكذا قولُه : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }

[ إبراهيم : 34 ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ أنْ يُقالَ : وإنْ تَعَدُّوا نِعَمَ الله لا تُحْصُوها ، وقولُه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً }

[ البقرة : 201 ] أتمُّ مَعْنًى مِنْ قوله : حَسَناتٍ ، وقولُه : { بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } [ آل عمران : 174 ] ، أتَمُّ معنى من قوله : بنعمٍ ، ونظائِرهُ كَثِيرةٌ .

وأما الصّلوات فالمراد بها درجات الثَّوَاب ، وهي إنما تحصل شيئاً بَعْدَ شَيْءٍ ، فكأنه دلّ على الصِّفَةِ المقصوُدَةِ .


[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.