قوله تعالى : " حَافِظُواْ " : في " فَاعَلَ " هنا قولان :
أحدهما : أنه بمعنى " فَعِلَ " ، كطارَقْتُ النَّعْلَ ، وعاقَبْتُ اللصَّ ، ولمَّا ضمَّن المحافظة معنى المواظبةِ ، عدَّاها ب " عَلَى " .
الثاني : أنَّ " فَاعَلَ " على بابها من كونها بين اثنين ، فقيلَ : بين العبدِ وربِّه ، كأنه قيل : احفَظْ هذه الصلاةَ يحفظْكَ اللهُ ، وقيل : بين العبدِ والصلاةِ ، أي : احفَظْها تَحْفَظْك . وحفظُ الصَّلاة للمُصلِّي على ثلاثة أوجهٍ :
الأول : أنها تحفظه مِنَ المعاصي ؛ كقوله : { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [ العنكبوت :45 ] .
الثاني : تحفظه من البَلايا ، والمِحَن ؛ لقوله : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } [ البقرة :45 ] ، وقال الله : { إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ } [ المائدة :12 ] أي : معكم بالصَّبر ، والحفظ .
الثالث : تحفظُه : بمعنى تشفعُ له ؛ لأن الصلاة فيها القرآنُ ؛ والقرآن يشفع لقارئه ، وهو شافِعٌ مُشَفَّعٌ .
وقال أبو البقاء{[3929]} : ويكون وجوبُ تكرير الحِفْظ جارياً مجرى الفاعلين ؛ إذْ كان الوجوبُ حاثّاً على الفعلِ ، وكأنه شريكُ الفاعلِ للحفظ ؛ كما قالوا في { وَاعَدْنَا مُوسَى } [ البقرة :51 ] فالوعدُ من اللهِ ، والقَبُولُ من موسى بمنزلةِ الوعد ؛ وفي " حَافِظُوا " معنى لا يُوجَدُ في " احْفَظُوا " وهو تكريرُ الحفْظِ وفيه نظرٌ ؛ إذ المفاعلةُ لا تدُلُّ على تكريرِ الفعلِ البتةَ .
قوله تعالى : { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } ذكر الخاصَّ بعد العامِّ ، وقد تقدَّم فائدته عند قوله تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ } [ البقرة :98 ] والوُسطى : فعلى معناها التفضيلُ ، فإنها مؤنثةٌ للأوسطِ ؛ كقوله - يمدح الرسول عليه والصلاة والسلام - : [ البسيط ]
يَا أَوْسَطَ النَّاسِ طُرّاً فِي مَفَاخِرِهِمْ *** وَأَكْرَمَ النَّاسِ أُمًّا بَرَّةً وَأَبَا{[3930]}
وهي [ من ] الوسط الذي هو الخيارُ ، وليست من الوسطِ الذي معناه : متوسِّطٌ بين شيئين ؛ لأنَّ فُعْلى معناها التفضيلُ ؛ ولا يُبْنى للتفضيل ، إلا ما يَقْبَلُ الزيادةَ والنقصَ ، والوَسَطُ بمعنى العَدْل والخيارِ يقبلُهما بخلافِ المتوسِّطِ بين الشيئين ؛ فإنه لا يَقْبَلُهما ، فلا ينبني منه أفعلُ التفضيل .
وقرأ علي{[3931]} : " وَعَلَى الصَّلاَةِ " بإعادة حرفِ الجرِّ توكيداً ، وقرأَتْ{[3932]} عائشةُ - رضي الله عنها - " وَالصَّلاَةَ " بالنصبِ ، وفيها وجهان :
أحدهما : على الاختصاصِ ، ذكرَه الزمخشريُّ .
والثاني : على موضع المجرورِ قَبْلَهُ ؛ نحو : مَرَرْتُ بزيدٍ وَعَمْراً ، وسيأتي بيانُه في المائدة - إن شاء الله تعالى - .
قال القرطبي{[3933]} : وقرأ أبو جعفر{[3934]} الواسطي " والصَّلاَةَ الوُسْطَى " بالنصب على الإِغراء أي : والْزَمُوا الصَّلاة الوُسْطَى وكذلك قرأ الحلواني ، وقرأ قالُونُ ، عن نافع " الوُصْطَى " بالصَّادِ ؛ لمجاورَة الطاءِ ؛ لأنهما مِنْ واحدٍ ، وهما لغتان ؛ كالصراط ونحوه .
لمّا ذكر الأحكام المتعلّقة بمصالح الدُّنيا مِنْ بيان : النكاح ، والطلاقِ ، والعُقُودِ ، أتبعه بذكر الأَحكامِ المتعلِّقة بمصالح الآخرة .
وأَجمع المسلمون على وجوب الصلوات الخمس ، وهذه الآيةُ تدلُّ على كونها خَمْساً ؛ لأن قوله : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ } تدل على الثَّلاثة مِنْ حيثُ إِنَّ أَقلَّ الجمع ثلاثةٌ ، ثم قال : { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } يدلُّ على شيءٍ زائدٍ عن الثلاثة ؛ وإلاَّ لزم التكرارُ ، والأصلُ عدمهُ ، ثم إنَّ الزَّائد يمتنع أَنْ يكون أربعةً ، لأنها لا يبقى لها وسطى فلا بُدَّ وأَنْ ينضمَّ إلى تلك الثلاثة عددٌ آخرُ ؛ حتى يحصلَ به للجموع واسطةٌ ، وأقلُّ ذلك خمسةٌ ، فدلَّت هذه الآيةُ على أن الصلوات المفروضات خمسٌ بهذا الطَّريق ، وهذا الاستبدال إنما يتم ، إذا قُلنا : إنَّ المراد من الوُسْطَى ما يكونُ وسطاً في العدد ، لا ما يكون وسطاً بسبب الفضيلة .
هذه الآيةُ وإِنْ دلّت على وجوب الصلوات الخمس لكنَّها لا تدلُّ على أوقاتها .
قالوا : والآياتُ الدالةُ على تفصيل الأَوقاتِ أَربعٌ :
أحدها : قوله تعالى : { فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم :17 ] .
فقوله : " سُبْحَانَ اللهِ " أي : فسبِّحوا اللهَ ، معناه : صلُّوا للهِ حين تمسون ، أراد به صلاة المغربِ ، والعِشَاءِ ، " وَحِينَ تُصْبِحُونَ " أراد صلاة الصُّبح ، و " عَشيّاً " أراد به [ صلاة ] العصر ، و " حِينَ تُظْهِرُونَ " ، صلاة الظهر .
الثانية : قوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الْلَّيْلِ } [ الإسراء :78 ] أراد ب " الدلوك " زوالها ، فدخل في الآية : صلاةُ الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ثم قال : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } [ الإسراء :78 ] أراد صلاة الصُّبح .
الثالثة : قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ الْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } [ طه :130 ] قالوا : لأَنَّ الزمان إِمَّا أَنْ يكون قبل طُلُوعِ الشَّمسِ ، أو قبل غروبها ، فالليل والنهارُ داخلان في هاتين اللفظتين .
الرابعة : قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ } [ هود :114 ] فالمراد ب " طَرَفَي النَّهَارِ " الصُّبحُ والعَصْر ، وبقوله " وزُلْفاً من الليل " المغرب ، والعشاء .
اختلفوا في الوسطى على سبعة مذاهب :
الأول : أنَّ الله - تعالى - لمّا لم يبينها بل خصَّها بمزيد التوكيد ، جاز في كُلِّ صلاةٍ أَنْ تكون هي الوسطَى ، فيصير ذلك داعياً إلى أداء الكل بصفةِ الكمالِ ، والتمام ؛ كما أنّه أخفى ليلة القَدْرِ في رمضان ، وأخفى ساعةَ الإجابةَ في يوم الجُمُعةِ ، وأَخْفَى اسمه الأَعظم في جميع الأَسماءِ ، وأخفى وقتَ الموتِ في الأوقات ؛ ليكون المكلَّف خائِفاً من الموتِ في كل الأوقات ، وهذا قولُ جماعةٍ من العُلَماءِ .
قال محمَّد بن سيرين : سأل رجلٌ زيد بن ثابتٍ ، عن الصلاة الوسطى ، فقال : حافِظ على الصلوات كُلِّها تصبها{[3935]} .
وعن الربيع بن خيثم أنّه سأله واحدٌ عنها ، فقال : قال ابن عمر : الوُسطى واحدة منهن ، فحافِظ على الكُلِّ تكُنْ محافظاً على الوسطى ، ثم قال الربيع : فإنْ حافظتَ عليهن ، فقد حافظت على الوسْطى{[3936]} .
الثاني : أَنَّ الوسطى هي مجموعُ الصلوات الخَمْس ؛ لأَن هذه الصلوات الخمس : هي الوسطى من الطاعات ، وتقريره : أنَّ الإِيمان بضعٌ وسبعون درجة : أعلاها شهادةُ أَنْ لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى ، فهي واسطة بين الطرفين .
وقيل : الوسطى صلاةُ الجمعة ؛ لأن وقتها وسطُ النهارِ ، ولها شروط ليست لبقيَّة الفرائض : من اشتراط الخُطبة ، والأَربعين ، ولا تصلي في المِصْر أكثر مِنْ جمعةٍ واحدةٍ ، إِلاَّ أَنْ تدعُو الحاجة إلى أكثر منها ؛ وتفوتُ بفواتِ وقتها ولا تقضى ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة .
الثالث : أنها صلاةُ الصبح ، وهو قول علي وعمر وابن عباس ، وابن عمرو وجابر بن عبد الله ، ومعاذ وأبي أمامة الباهِليّ ، وهو قول عطاء ، وطاوسٍ ، وعكرمة ومجاهد{[3937]} ، وإليه ذهب مالكٌ ، والشافعي . واستدلُّوا بوجوه :
أحدها : أنَّ هذه الصلاة تُؤدَّى بعد طُلُوع الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، وهذا الزمان ليس فيه ظُلمة باقية ، ولا ضوء تام فكأنّه ليس بليلٍ ولا نهارٍ ، فكان مُتوسِّطاً بينهما .
وثانيها : أَنََّ النهار حصل فيه صلاتان : الظهر ، والعصر ؛ وفي الليل صلاتان : المغرب ، والعشاء ؛ وصلاةُ الصبح كالمتوسطة بين صلاتي الليل ، وصلاتي النهار .
فإنْ قيل : هذه المعاني حاصِلةٌ في صلاة المغرب .
فالجوابُ : أنَّا نرجِّح صلاة الصُّبح على صلاة المغرب ؛ بكثرة الفضائلِ ، على ما سيأتي إِنْ شاء الله تعالى .
وثالثها : أَنَّ الظهر ، والعصر صلاتا جمعٍ ، وكذلك : المغربُ والعِشاءُ ، وصلاة الصبح منفردةٌ بوقتِ واحدٍ ؛ فكانت وسطاً بينهما .
ورابعها : قوله تعالى : { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء :78 ] وقد ثبت أَنَّ المراد منه صلاةُ الفجر ، يعني تشهدُه ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار ، فلا تجتمعُ ملائِكةُ الليل وملائكةُ النهار في وقتٍ واحد ، إِلاّ في صلاةِ الفجر ؛ فثبت أَنَّ صلاةَ الفجرِ قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه ؛ فكانت كالشيءِ المتوسِّط .
وخامسها : قوله تعالى : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } وصلاة الصبح مخصوصةٌ بطول القيام ، والقنوت ، وهذا ضعيف ، لأنه يقال لا نُسلِّمُ أَنَّ المراد بالقنوت طولُ القيام ، كما سيأتي في تفسير هذه الكلمة ، ولا نُسَلّم أَنَّ القنوت مخصوص بالفجر ؛ بل يقنت في سائر الصَّلوات إِذَا نزل بالمسلمين ، إِلاَّ فلا قنوت في شيءٍ من الفرائض .
وسادسها : أَنَّهُ تعالى إنَّما أفردها بالذكر ؛ لأَجل التأكيد ؛ لأنها أحوجُ الصلوات إلى التَّأكيد ، إِذْ ليس في الصلواتِ أشقّ منها ؛ لأنها تجب على الناس في ألذ أوقاتِ النَّوم ؛ فيترك النومَ اللذيذ إلى استعمال الماء البارِدِ ، والخُروج إلى المسجد والتَّأهب للصلاة ، ولا شَكَّ أن هذا شاق صعبٌ على النفس .
وسابعها : أنها أفضلٌ الصلواتِ ، فوجب أَنْ تكونَ هي الوسطى ، ويدل على فضيلتها وجوه :
الأول : قوله تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } [ آل عمران :17 ] فختم طاعاتهم بكونهم مُسْتغفرين بالأَسحارِ ، وأَعظمُ أَنواع الاستغفار الفرائضُ ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - حاكياً عن رَبّه : " لن يتقرّب المتقرّبون إليّ بمِثْل أَدَاءِ ما افترضتُ عَلَيْهِمْ " {[3938]} .
الثاني : رُوِيَ أَنَّ التكبيرة الأُولى فيها فِي الجماعة خيرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها{[3939]} .
الثالث : أنه ثبتَ أَنَّ صلاة الصبح مخصوصة بالأَذانِ مرَّتين : مرَّة قبل طُلُوع الفجر ، ومرةً بعده .
فالأول : لإيقاظِ الناس من نومِهم ، وتأهبهم .
والثاني : الإِعلامُ بدخول الوقت .
الرابع : أَنَّ الله سمّاها بأسماء ، فقال في بني إسرائيل { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } وقال في النور { مِّن قَبْلِ صَلَوةِ الْفَجْرِ } [ النور :58 ] وقال في الروم { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم :17 ] وقال عمر - رضي الله عنه - أن المراد من قوله
{ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } [ الطور :49 ] صلاة الفجر .
الخامس : أن الله تعالى أقسَمَ بها ، فقال : { وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ } [ الفجر : 1-2 ] .
فإن قيل : قد أقسم الله تعالى - أيضاً - بالعصر فقال : { وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } [ العصر :1-2 ] قلنا : سلمنا أن المراد منه القسم بصلاة العصر ، لكن في صلاة الفجر مزيدُ تأكيدٍ وهو قوله : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } [ هود :14 ] فكما أنّ أحدَ الطرفين ، وهو الصبحُ ، وهو واقعٌ قبل الطلُوع والطرف الآخرُ هو المغرب ؛ لأنه واقعٌ قبل الغُرُوب ، فقد اجتمع في الفجر القسمُ به ، مع التأكيد بقوله : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } [ هود :14 ] هذا التأكيدُ لم يوجد في العصر .
السادس : أن التثويب في أذان الصُّبح معتبرٌ ، وهو قولُ المؤذن : الصلاةُ خيرٌ من النَّومِ ، وهذا غيرُ حاصل في سائر الصلواتِ .
السابع : أَنَّ الإنسان إذا قام مِنْ نومِه فكأنه كان معدُوماً ، ثم صار موجوداً أو كان مَيْتاً ، ثم صار حياً ، فإذا شاهد العَبْدُ هذا الأمر العظيم ، فلا شكَّ أنَّ هذا الوقت أليقُ الأَوقاتِ ، بأَن يظهر العبدُ الخضوع ، والذلة والمسكنة في هذه العبادة .
وثامنها : رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه سُئِل عن الصلاةِ الوسطى ، فقال : كنا نرى أنَّها الفجرُ{[3940]} .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّه صلى الصبح ، ثم قال : هذه هي الصلاةُ الوسْطى{[3941]} .
القول الرابع : أَنَّهُ صلاةُ الظهرِ ، وهو قول عمر ، وزيدٍ بن ثابت ، وأبي سعيد الخدري ، وأُسامة بن زيدٍ{[3942]} ، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه ، واحتجُّوا بوجوه :
الأول : أن الظهرَ كان شاقّاً عليهم ؛ لوقوعه في وقتِ القَيْلُولة ، وشدَّةِ الحرِّ ، فصرفُ المبالغة فيه أولى .
الثاني : روى زيد بن ثابت أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالهاجرة ، وكان أثقلَ الصلواتِ على أصحابه ، وربما لم يكُن وراءه إلاّ الصَّفُّ ، والصَّفَّانِ ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحْرِّقَ عَلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَة في بُيُوتهم " {[3943]} فنزلت هذه الآيةُ .
الثالث : أن صلاة الظُّهر تقع في وسط النهار ، وليس في المكتوباتِ صلاة تقع في وسطِ النهارِ ، وهي أَوسطُ صلاةِ النَّهارِ في الطول .
الرابع : قال أبو العالية : صليتُ مع أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهرَ ، فلمّا فرغُوا سأَلتُهم عن الصلاةِ الوسطى فقالوا : التي صلَّيتَها{[3944]} .
الخامس : روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقرأ{[3945]} " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَة الوُسْطَى وَصَلاَةَ العَصْرِ " {[3946]} ، وكانت تقولُ سمعتُ ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وجهُ الاستدلالِ أنها عطفت صلاةَ العَصْرِ على الصلاةِ الوُسْطى ، والمعطوفُ عليه قبل المعطُوفِ ، والذي قبل العصر هي صلاةُ الظهر .
السادس : رُوي أنَّ قوماً كانوا عند زيد بن ثابتٍ ، فأرسلوا إلى أُسامة بن زيدٍ ، وسأَلُوه عن الصَّلاةِ الوُسطى ، فقال : هي صلاةُ الظهرِ{[3947]} كانت تقامُ في الهَاجِرة .
السابع : روي في الحديث أن أوَل إِمامة جبريل - عليه السلام - كانت في صلاةِ الظهر{[3948]} ، فَدَلَّ على أنّها أشرف ، فكان صرفُ التَّأكيد إليها أولى .
الثامن : أَنَّ صلاةَ الجمعة هي أشرفُ الصَّلواتِ ، وهي صلاةُ الظهرِ فصرف المبالغة إليها أولى روى الإمامُ أحمدُ ، وصحَّحَه : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن الصلاة الوسطى [ فقال ] العصرُ{[3949]} . ورَوى أحمدُ ، والترمذيُّ ، وصحَّحه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صلاةِ الوسطى فقال : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ والصَّلاةِ والوُسْطَى وَصَلاةَ العَصْرِ " ثم نُسِخَت هذه الكلمةُ ، وبقي قولهُ : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ }{[3950]} .
فإن قيل قد روي أنَّ عائشة أمرت أن يكتب لها مصحف ، وقالت للكاتب : إذا بلغت قوله تعالى : { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } فآذِنِّي ، فلما وصل الكاتب إلى قوله تعالى : { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } آذنها فأمرته أن يكتب : " وَصَلاَةَ العَصْرِ " وقالت : هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم{[3951]} .
فالجواب أن هذا لم يروه غير واحدٍ تفرَّد به . وقد روى جماعةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر ، كما سيأتي ، وكثرة الأدلة ، والرُّواة يرجّح بها .
القول الخامس : أنها صلاة العصر ، وهو مرويٌّ عن عليّ ، وابن مسعودٍ ، وابن عبَّاسٍ ، وأبي هريرة ، وأبي أيُّوب ، وعائشة ، وبه قال إبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحسن ، والضحاك ، ويروى عن أبي حنيفة .
الأول : روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً " {[3952]} وروى زرُّ بن حبيش ، قال : " قلنا لعبيدة : سل علياً عن الصلاة الوسطى ، فسأله فقال : كنَّا نرى أنها صلاة الفجر ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق : " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً " {[3953]} وعن عبد الله بن مسعودٍ ، قال : حَبَسَ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صَلاة العصر ، حتَّى احمرَّت الشمس ، أو اصفرَّت ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً ، أو حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً " {[3954]} .
الثاني : أنَّ العصر أولى بالتأكيد من غيرها ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ فَقَدْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ " {[3955]} ، وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ أو مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ " {[3956]} وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " مَنْ حَافَظَ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ آتَاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ " . ولأن المحافظة على سائر الصلوات ، أخفُّ وأسهل من المحافظة على وقت العصر أخفى الأوقات .
وذلك لأن الصُّبح يدخل وقتها بطلوع الفجر المستطير ضوؤه ، ودخول الظهر بزوال الشَّمس ، والمغرب بغروب القرص ، ودخول العشاء بمغيب الشَّفق الأحمر ، لا جرم كانت الفضيلة فيها أكثر .
الثالث : أنَّ الناس عند العصر يكونون مشغولين بمهماتهم ، فكان الإقبال عليها أشقُّ .
الرابع : أنَّها متوسطةٌ بين صلاةٍ نهاريَّة ، وهي الظهر ، وصلاةٍ ليليَّةٍ ، وهي المغرب ، وأيضاً ، فهي متوسِّطة بين صلاتين بالليل وصلاتين بالنهار .
فإن قيل : قد ثبت عن عائشة أنها قرأت : " وَصَلاَةِ العَصْرِ " .
فالجواب أن يقال : إن هذه قراءة شاذَّة ، ولأنه ثبت عن خلق كثير في أحاديث صحيحةٍ أنها العصر ورووها بغير واوٍ ؛ فدل على أنّ الواو زائدةٌ ، ولأنَّ الراوي لا يجوز له أن يسقط من الحديث حرفاً واحداً يتعلق به حكمٌ شرعي .
أو يقال : هذا من باب عطف الخاصِّ على العامِّ ، أو من عطف الصفات ؛ لقولك : زيدٌ الكريم والعالم .
والقول السادس : أنها صلاة المغرب ، وهو قول عبيدة السلماني وقبيصة بن ذؤيب{[3957]} ، واحتجُّوا بوجهين :
أحدهما : أنه بين بياض النَّهار ، وسواد اللَّيل ، وهذا المعنى وإن كان حاصلاً في الصُّبح ، إلاّ أن الغرب ترجَّح بوجوهٍ أُخر : وهي أنها أزيدُ من الرَّكعتين ؛ كما في الصبح ، وأقلُّ من الأربع ؛ كما في الظهر ، والعصر ، والعشاء ، فهي وسطٌ في الطُّول ، والقصر .
الوجه الثاني : أنَّ صلاة الظهر تسمَّى بالصلاة الأولى ، ولذلك ابتدأ جبريل بالإمامة فيها ، وإذا كان الظهر أوَّل الصلوات ، كانت المغرب ، هي الوسطى ، لا محالة ، ولأنَّ قبلها صلاة سرٍّ ، وبعدها صلاة جهرٍ .
القول السابع : أنها العشاء ، قالوا : لأنها متوسِّطة بين صلاتين لا تقصران : المغرب ، والصبح .
وعن عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " مَنْ صَلَّى صَلاَةَ العِشَاءِ الآخِرَةِ في جَمَاعَةٍ ، كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَة " {[3958]} .
قال القرطبي{[3959]} : وقال أبو بكر الأبهري : إن الوسطى صلاة الصُّبح ، وصلاة العصر تبعاً ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " إن اسْتَطَعْتُمْ أَلاََّ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " {[3960]} يعنى : العصر ، والفجر ، ثم قرأ جرير{[3961]} : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }{[3962]} [ طه :130 ] . وروى عمَّار بن رؤيبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا " يعني الفجر والعصر ، وقيل : العشاء والصبح ؛ لأن أبا الدَّرداء - رضي الله عنه - قال في مرضه الذي مات فيه : اسمعوا ، وبلِّغوا من خلفكم : حافظوا على هاتين الصَّلاتين ، يعني في جماعة العشاء والصُّبح ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم .
قوله : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } قال ابن عباس : القنوت : الدعاء ، والذكر{[3963]} ، بدليل قوله تعالى : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً } [ الزمر :9 ] . ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت يدعو على رعل ، وذكوان ، وعصيّة ، وأحياء من سليم{[3964]} . وقيل : مُصلِّين{[3965]} ؛ لقوله : " أَمْ هُوَ قَانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ " .
وقال الشعبيُّ ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وطاوسٌ ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتلٌ : القنوت : الطاعة{[3966]} ، ويدلُّ عليه وجهان :
الأول : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " كُلُّ قُنُوتٍ في القُرْآنِ فَهُوَ طَاعَةٌ " {[3967]} .
والثاني : قوله تعالى : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } [ الأحزاب :31 ] وقال : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ } [ النساء :34 ] فالقنوت عبارةٌ عن كمال الطَّاعة ، وإتمامها والاحتراز عن إيقاع الخلل في أركانها . قال الكلبيُّ ، ومقاتلٌ{[3968]} : لكلِّ أهل دينٍ صلاةٌ يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين .
وقيل : القنوت : السكوت ، وهو قول ابن مسعود ، وزيد بن أرقم{[3969]} ، قال زيد بن أرقم : كنَّا نتكلّم في الصلاة ، فيسلِّم الرجل ؛ فيردون عليه ويسألهم كيف صليتم ؟ كفعل أهل الكتاب . فنزل قوله تعالى : { وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ } فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام{[3970]} .
وقال مجاهد : القنوت : عبارةٌ عن الخشوع ، وخفض الجناح ، وسكون الأطراف ، وترك الالتفات من هيبة الله ، وكان العلماء إذا قام أحدهم يصلي ، يهاب الرحمن ، فلا يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث ، أو يحدّث نفسه بشيءٍ من أمر الدنيا ناسياً حتى ينصرف .
وقيل : القنوت : عبارة عن طول القيام .
قال جابر : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الصَّلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت ، يريد طول القيام{[3971]} .
قال ابن الخطيب{[3972]} : وهذا القول ضعيفٌ ؛ وإلاَّ صار تقدير الآية : وقوموا لله قائمين ؛ اللَّهم إلاَّ أن يقال : وقوموا لله مديمين لذلك القيام ؛ فيصير القنوت مفسَّراً بالإدامة ، لا بالقيام .
وقيل : القنوت في اللغة : عبارةٌ عن الدوام على الشيء ، والصَّبر عليه والملازمة له .
وفي الشريعة مختصٌّ بالمداومة على طاعة الله تعالى ؛ وهو اختيار عليٍّ بن عيسى ، وعلى هذا يدخل فيه جميع ما قاله المفسِّرون{[3973]} .
قوله : " قَانِتِينَ " حالٌ من فاعل " قُومُوا " و " لِلَّهِ " يجوز أن تتعلَّق اللام ب " قُومُوا " ، ويجوز أن تتعلَّق ب " قَانِتِينَ " ، ويدلُّ للثاني قوله تعالى : { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة :116 ] . ومعنى اللام التعليل .
قال أبو عمرو : أجمع المسلمون على أنّ الكلام ، عامداً في الصلاة ، إذا كان المسلم يعلم أنّه في صلاةٍ ، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنّه يفسد الصلاة ، إلاّ ما روي عن الأوزاعي أنّه قال إن تكلم في الصَّلاة لإحياء نفسٍ ، ونحوه من الأمور الجسام ، لم يفسد ذلك صلاته .
واختلفوا في كلام السَّاهي ، فقيل : لا يفسد الصلاة .
وقال مالكٌ : إذا تكلم عامداً لمصلحة الصَّلاة ، لم تفسد ، وهو مذهب أحمد .
قوله تعالى : { فَإنْ خِفْتُمْ } .
قال الواحديُّ{[3974]} : معنى الآية : فإن خفتم عدوّاً ، فحذف المفعول لإحاطة العلم به .
وقال الزمخشريُّ : " فإن كان لكم خوفٌ من عَدُوٍّ ، أو غيرِه " فهو أصحُّ ؛ لأن هذا الحكم ثابتٌ عند حصول الخوف ، سواءٌ كان الخوف من عدوٍّ ، أو غيره .
وقيل : المعنى : فإن خفتم فوات الوقت ، إذا أَخَّرْتُمُ الصلاة إلى أن تفرغوا من حربكم ، فصلُّوا رِجالاً ، أو ركْبَاناً ، وعلى هذا التقدير الآية تدلُّ على تأكيد فرض الوقت ؛ حتى يترخَّص لأجل المحافظة عليه في ترك القيام ، والركوع ، والسجود .
قوله تعالى : " فَرِجَالاً " : منصوبٌ على الحال ، والعامل فيه محذوفٌ ، تقديره : " فَصَلُّوا رِجَالاً ، أو فحَافِظُوا عَلَيْهَا رِجَالاً " وهذا أولى ؛ لأنه من لفظ الأول .
و " رِجَال " جمع راجلٍ ؛ مثل قيامٍ وقائم ، وتجارٍ وتاجرٍ ، وصِحَابٍ وصاحب ، يقال منه : رَجِلَ يَرْجَلُ رَجْلاً ، فهو رَاجِلٌ ، ورَجُلٌ بوزن عضدٍ ، وهي لغة الحجاز . يقولون : رَجِلَ فُلاَنٌ ، فهو رَجُلٌ ، ويقال : رَجْلاَن ورَجِيلٌ ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
عَلَيَّ إِذَا لاَقَيْتُ لَيْلَى بِخُفْيَةٍ *** أَنَ ازْدَارَ بَيْتَ اللهِ رَجْلاَنَ حَافِيَا{[3975]}
كلُّ هذا بمعنى مشى على قدميه ؛ لعدم المركوب .
وقيل : الراجل الكائن على رجله ، ماشياً كان أو واقفاً ، ولهذا اللفظ جموعٌ كثيرة : رجالٌ ؛ كما تقدَّم ؛ وقال تعالى : { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } [ الحج :27 ] وقال [ الكامل ]
وَبَنُو غُدَانَةَ شَاخِصٌ أَبْصَارُهُمْ *** يَمْشُونَ تَحْتَ بُطُونِهِنَّ رِجَالاً{[3976]}
ورَجِيلٌ ، ورُجَالَى ، وتروى قراءةً{[3977]} عن عكرمة ، ورَجَالَى ، ورَجَّالَة ، ورُجَّال ، وبها قرأ عكرمة وابن مخلدٍ ، ورُجَّالَى ، ورُجْلاَن ، ورِجْلَة ، ورَجْلَة بسكون الجيم وفتحها ، وأرجِلَة ، وأرَاجِلٍ ، وأرَاجِيل ، ورجَّلاً بضم الراء وتشديد الجيم من غير ألفٍ ، وبها قرئ شاذّاً .
وقال القفَّال{[3978]} : يجوز أن يكون " رِجَالٌ " جمع الجمع ؛ لأن رجلاً يجمع على " رَاجِلٍ " ، ثمَّ يجمع راجلٌ على رِجالٍ .
والرُّكبان جمع راكب مثل فُرْسَان وفَارس ، قال القفَّال : قيل : ولا يقال إلاَّ لمن ركب جملاً ، فأمَّا راكب الفرس ، ففارسٌ ، وراكب [ الحمار ] والبغل حمَّار وبغَّال ، والأجود صاحب حمار وبغلٍ ، و " أو " هنا للتقسيم ، وقيل : للإباحة ، وقيل : للتخيير .
قال القرطبيُّ{[3979]} : لمّا أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة ، بحال القنوت ، وهو الوقار ، والسكينة ، وهدوء الجوارح ، وهذه هي الحالة الغالبة من الأمن ، والطُّمأنينة ، ذكر حالة الخوف الطارئة أحياناً ، وبيَّن أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حالٍ ، ورخَّص لعبيده في الصلاة رجالاً على الأقدام ، أو ركباناً على الخيل والإبل ، ونحوه إيماءً ، وإشارةً بالرأس حيث ما توجهوا .