قوله : { بِمَلْكِنَا } قرأ الأخوان{[26173]} بضم الميم ، ونافع وعاصم بفتحها والباقون بكسرها{[26174]} . فقيل : لغات بمعنى واحد{[26175]} كالنَّقْضِ والنُّقضِ والنِّقْضِ{[26176]} ، فهي مصادر ، ومعناها القدرة والتسلط . وفرق الفارسي وغيره{[26177]} بينهما ، فقال{[26178]} : المضموم معناه : لم يكن مُلْكٌ فتُخْلِفُ موعدك بسلطانه ، وإنما فعلناه بنظر واجتهاد ، فالمعنى على أن ليس له ملك كقول ذي الرُّمة :
لاَ يُشْتَكَى سَقْطَةٌ مِنْهَا وَقَدْ رَقَصَتْ *** بِهَا المَفَاوِزُ حَتَّى ظَهْرُهَا حَدِبُ{[26179]}
أي لا يقع منها سَقْطَة فَتَشْتَكِي{[26180]} .
وفتح الميم مصدر من مَلَكَ أمره ، والمعنى : ما فعلناه بأنَّا ملكنا الصواب ، بل غلبتنا أنفسنا . وكسر الميم كَثُر فيما تحوزه اليد وتحويه ، ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها .
والمصدر في هذين الوجهين مضاف لفاعله ، والمفعول{[26181]} محذوف أي : بِمَلْكِنَا الصوابَ{[26182]} . قوله : { حُمِّلْنَا } قرأ نافع وابن كثير وحفص بضم الحاء وكسر الميم المشددة وأبو جعفر كذلك إلا أنه خفف الميم . ( والباقون بفتحها خفيفة الميم{[26183]} ){[26184]} . فالقراءة الأولى والثانية نسبوا فيهما{[26185]} الفعل إلى غيرهم{[26186]} .
وفي الثالثة{[26187]} نسبوه إلى أنفسهم{[26188]} و " أَوْزَاراً " {[26189]} مفعول ثان غير القراءة الثالثة{[26190]} . و " مِنْ زِينَةِ " يجوز أن يكون متعلقاً{[26191]} ب " حُمِّلْنَا " ، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل " أَوْزَاراً " .
وقوله : " فَكَذَلِكَ " نعت لمصدر{[26192]} أو حال من ضميره عند سيبويه أي : إلقاء مثل إلقَائِنَا .
اختلفوا في القائل{[26193]} { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } على وجهين :
فقيل : القائل هم الذين لم يعبدُوا العجلَ كأنهم قالوا : ما أخلَفْنَا موعدَك بأمرٍ كُنَّا نملكه ، وقد يضيف{[26194]} الرجل فعل قرينه إلى نفسه ، كقوله تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر }{[26195]} { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً }{[26196]} وإن كان القائل{[26197]} بذلك آباءهم ، فكأنهم قالوا : الشبهة قويت{[26198]} على عبدة العجل ، فلم نقدر على منعهم عنه{[26199]} ولم نقدر أيضاً على مفارقتهم ، لأنَّا{[26200]} خفنا أن نصير سبباً لوقوع الفرقة ، وزيادة الفتنة .
وقيل : هذا قول عبدة العِجل ، والمعنى أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا ، وفاعل السبب فاعل المسبب ، فمخلف الوعد هو{[26201]} الذي أوقع الشبهة ، فإنه{[26202]} كان كالمالك لنا .
فإن قيل : كيف يُعْقَل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة عجلٍ يُعْرَف فسادُها بالضرورة ، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل{[26203]} رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك{[26204]} الدين بسبب رجوع موسى -عليه السلام{[26205]}- وحده إليهم ؟
فالجواب{[26206]} : هذا غير{[26207]} ممتنع في حق البُلْهِ{[26208]} من الناس .
ثم إنَّ القوم فروا من العذر{[26209]} الحامل لهم{[26210]} على ذلك الفعل فقالوا { ولكنا{[26211]} حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم } فمن قرأ بالتخفيف فالمعنى حملْنَا{[26212]} في{[26213]} أنفسنا ما كنا استعرضناه من القوم . ومن قرأ بالتشديد فقيل : إن موسى -عليه السلام{[26214]}- أمرهم باستعاره الحُلِيّ والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك . والمراد بالأوزار حُليّ قوم فرعون .
وقيل : جعلنا كالضامن لها أن نؤديها إلى حيث يأمرنا الله .
وقيل : إنَّ الله تعالى حَمَّلَهُم ذلك ، أي : ألزمهم حكم المغنم{[26215]} .
قيل : أخذوها على وجه العارية ولم يردوها حين خرجوا من مصر استعاروها لعيدهم{[26216]} .
وقيل : إن الله تعالى لما أغرق فرعون نبذَ البحر حُليَّهم فأخذوها وكانت غنيمة ، ولم تكن الغنيمة حلالاً لهم في ذلك الزمان ، فسماها الله أوْزَاراً لذلك{[26217]} ، لأنه يجب عليهم حفظها من غير{[26218]} فائدة فكانت أوزاراً{[26219]} .
وقيل : سميت{[26220]} أوزاراً لكثرتها وثقلها ، والأوزار : الأثقال . وقيل المراد بالأوزار الآثام ، والمعنى حُمِّلْنَا آثاماً ، روي{[26221]} أن هارون –عليه السلام{[26222]} - قال إنها نجسة فتطهروا منها{[26223]} ، وقال السَّامِريّ إنَّ موسى احتبس عقوبة بالحُلِيّ . فيجوز أن يكونوا{[26224]} أرادوا هذا القول ، وقد يقول الإنسان للشيء{[26225]} الذي يلزمه رده هذا كله إثمٌ وذنبٌ .
وقيل : إنَّ ذلك الحِليّ كان للقبط يتزينون به في مجامع{[26226]} لهم يجري فيها الكفر ، فلذلك{[26227]} وصف بكونها أوزاراً كما يقال مثله في آلات المعاصي{[26228]} .
وقوله : { فَقَذَفْنَاهَا } أي فَطَرَحْنَاهَا{[26229]} في الحفيرة ، وذلك أن هارون قال لهم : إنَّ تلكَ غنيمةٌ لا تَحِلٌُّ فاحفروا ، فحفروا حفيرة ، ثم ألقوه فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ، ففعلوا{[26230]} .
وقيل : قَذَفُوها في موضعٍ أمرهم السامريُّ بذلك{[26231]} .
وقيل : في موضعٍ جمع فيه النار ، ثم قالوا : وكذلك ألقى السامري ما معه من الحُلِيّ فيها{[26232]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.