اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (31)

قوله{[34542]} : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } الكلام{[34543]} فيه كما تقدم وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا ، والبلوى فيه أشد وأكثر ، ولا يكاد يقدر على الاحتراز منه{[34544]} .

قوله : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } أي : لا يظهرن زينتهن لغير محرم ، والمراد بالزينة : الخفية ، وهما زينتان : خفية وظاهرة . فالخفية : مثل الخلخال والخضاب في الرِّجْل ، والسوار{[34545]} في المعصم ، والقرط{[34546]} والقلائد{[34547]} ، فلا يجوز لها إظهارها ، ولا للأجنبي النظر إليها . والمراد بالزينة{[34548]} : موضع الزينة .

وقيل : المراد بالزينة : محاسن الخَلْق التي خلقها الله ، وما تزين به الإنسان من فضل لباس{[34549]} ، لأن كثيراً من النساء ينفردن بخَلْقِهِنَّ من سائر ما يُعَدُّ زينة ، فإذا حملناه على الخِلْقَة وفينا العموم حقه ، ولا يمنع دخول ما عدا الخِلْقة فيه ، ولأنَّ قوله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ } يدل على أن المراد من الزينة ما يعم الخِلْقة وغيرها ، فكأنها تعالى منعهن من إظهار محاسن خلقهن ، موجباً سترها بالخمار{[34550]} .

قوله : { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } . أما الذين حملوا الزينة على الخلقة فقال القفال : معنى الآية : إلا ما يظهره الإنسان في العادة ، وذلك من النساء : الوجه والكفان ، ومن الرجال : الوجه واليدان والرجلان ، فرخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه ، وأدت الضرورة إلى إظهاره ، وأمرهم بستر ما لا ضرورة في كشفه . ولما كان ظهور الوجه والكفين ضرورة لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة .

وأما القدم{[34551]} فليس ظهوره ضرورياً فلا جرم اختلفوا فيه هل هو من العورة أم لا ؟ والصحيح أنه عورة . وفي صوتها وجهان :

أصحهما ليس بعورة ، لأن نساء النبي - عليه السلام{[34552]} - كن يروين الأخبار للرجال .

وأما الذين حملوا الزينة على ما عد الخلقة ، قالوا : إنه تعالى إنما{[34553]} ذكر الزينة لأنه لا خلاف في أنه يحل النظر إليها حال ( انفصالها عن أعضاء المرأة ، فلما حرم الله النظر إليها حال ){[34554]} اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة . وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوَشمَة{[34555]} والغُمْرَة{[34556]} ، وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم والثياب ، لأن سترها فيه حرج{[34557]} ، لأن المرأة لا بد لها من مزاولة الأشياء بيديها ، والحاجة إلى كشف وجهها للشهادة والمحاكمة والنكاح{[34558]} .

قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي{[34559]} : «الزينة الظاهرة التي استثنى الله الوجهُ والكفان{[34560]} » .

وقال ابن مسعود : هي الثياب ، لقوله تعالى : { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ{[34561]} }{[34562]} [ الأعراف : 31 ] .

وقال الحسن : الوجه والثياب{[34563]} .

وقال ابن عباس : الكحْل والخاتم والخضاب في الكف{[34564]} . فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها إذا لم يخف فتنة وشهوة ، فإن خاف شيئاً منها غض البصر{[34565]} .

فصل{[34566]}

واتفقوا على تخصيص قوله : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } بالحرائر دون الإماء والمعنى فيه ظاهر ، لأن الأمة مالٌ ، فلا بد من الاحتياط في بيعها وشرائها ، وذلك لا يمكن إلا بالنظر إليها على الاستقصاء{[34567]} .

قوله : «وَلْيَضْرِبْنَ » . ضمن «يضْرِبْنَ » معنى «يُلْقِينَ » فلذلك عداه ب «على{[34568]} » . وقرأ أبو عمرو في رواية بكسر لام الأمر{[34569]} .

وقرأ طلحة : «بِخُمْرهنَّ » بسكون الميم{[34570]} . وتسكين «فَعْل » في الجمع أولى من تسكين المفرد . وكسر الجيم من «جِيُوبِهِنَّ » ابن كثير والأخوان وابن ذكوان{[34571]} .

والخُمُر : جمع خمار ، وفي القلة يجمع على أخْمِرة . قال امرؤ القيس :

وَتَرَى الشَّجْراءَ{[34572]} فِي رِيِّقِهِ *** كَرُؤُوسٍ قُطِعَتْ فِيهَا الخُمُرْ{[34573]}

والجيب : ما في طوق القميص يبدو منه بعض الجسد .

فصل{[34574]}

قال المفسرون : إنَّ نساء الجاهلية كنَّ يُسْدِلْنَ{[34575]} خُمُرهن من خلفهن ، وإن جيوبهن كانت من قدام ، وكانت{[34576]} تنكشف نحورهن وقلائدهن ، فأمرن{[34577]} أن يضربن مقانعهن على{[34578]} الجيوب لتغطي بذلك أعناقهن ونحورهن .

قالت عائشة{[34579]} : رحم الله نساءَ المهاجرات الأُوَل ، لما أنزل الله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن{[34580]} فاختمرن بها{[34581]} .

قوله : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } يعني الزينة الخفية التي لم يبح لهنَّ كشفها في الصلاة ولا للأجانب ، وهو ما عد الوجه والكفين «إِلاَّ لِبُعولَتهنَّ » قال ابن عباس ومقاتل : يعني لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن { أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ{[34582]} أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ } فيجوز لهؤلاء أن{[34583]} ينظروا إلى الزينة الباطنة ، ولا ينظروا إلى ما بين السرة والركبة إلا الزوج فإنه يجوز له أن ينظر على ما تقدم ، وهؤلاء محارم .

فإن قيل : أيحل لذي المحرم في المملوكة والكافرة ما لا يحل في المؤمنة ؟

فالجواب : إذا ملك المرأة من محارمه فله أن ينظر منها إلى بطنها وظهرها لا على وجه الشهوة{[34584]} فإن قيل : فما القول في العم والخال ؟

فالجواب : أن الظاهر أنهما{[34585]} كسائر المحارم في جواز النظر ، وهو قول الحسن البصري قال : لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع ، وهو كالنسب ، وقال في سورة الأحزاب{[34586]} { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في آبَائِهِنَّ }{[34587]} الآية [ الأحزاب : 55 ] ولم يذكر فيها البعولة ، وقد ذكره هنا .

وقال الشعبي : إنما لم يذكرهما الله لئلا يصفها العم عند ابنه ، والخال كذلك .

والمعنى : أن سائر القرابات تشترك مع الأب والابن في المحرمية إلا العم والخال وابناهما ، وإذا رآها الأب وصفها لابنه وليس بمحرم ، وهذا من الدلالات البليغة في وجوب الاحتياط عليهن في النسب{[34588]} .

فصل

والسبب في إباحة نظر هؤلاء إلى زينة المرأة هو{[34589]} الحاجة إلى مداخلتهن ومخالطتهن واحتياج المرأة إلى صحبتهم في{[34590]} الأسفار في النزول والركوب{[34591]} .

قوله : «أَوْ نِسَائِهِنَّ » .

قال أكثر المفسرين : المراد اللاَّئِي على دينهن .

قال ابن عباس : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة{[34592]} ، ولا تبدي للكافرة{[34593]} إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لها .

وكتب عُمَر إلى أبي عبيدة أن تمنع نساء أهل الكتاب من دخول الحمام مع المؤمنات . وقيل : المراد ب «نِسَائِهِنَّ » جميع النساء .

وهذا هو الأولى ، وقول السلف محمول على الاستحباب{[34594]} .

قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } . وهذا يشمل العبيد والإماء ، واختلفوا في ذلك : فقال قوم : عبد المرأة مَحْرَم لها يجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفاً ، وأن ينظر إلى بدن مولاته إلا ما بين السرة والركبة كالمحارم ، وهو ظاهر القرآن ، وهو مروي عن عائشة وأم سلمة . «وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب إذا قَنعْت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تلقى قال : «إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغُلامك »{[34595]} . وعن مجاهد : «كنَّ أمهات المؤمنين لا{[34596]} يحتجبن عن مكاتبهن{[34597]} ما بقي عليه درهم » . وكانت عائشة تمتشط والعبد ينظر إليها .

وقال ابن مسعود والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب : لا ينظر العبد إلى شعر مولاته . وهو قول أبي حنيفة{[34598]} .

وقال ابن جريج : المراد من الآية : الإماء دون العبيد ، وأن قوله : { أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } أنه لا يحل لامرأةٍ مسلمة أن تتجرد بين امرأة مشركة إلا أن تكون تلك المشركة أمةً لها{[34599]} .

قوله : { أَوِ{[34600]} التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال } .

قرأ ابن عامر وأبو بكر{[34601]} : «غَيْرَ » نصباً{[34602]} ، وفيها وجهان :

أحدهما : أنه استثناء .

وقيل{[34603]} : على القطع ، لأن «التَّابِعِينَ » معرفة و «غَيْر » نكرة .

والثاني : أنه حال{[34604]} . والباقون : «غيرِ » بالجر{[34605]} نعتاً ، أو بدلاً{[34606]} ، أو بياناً .

والإِرْبَةُ : الحاجةُ . وتقدم اشتقاقها في «طه »{[34607]} .

( قوله : «مِنَ الرِّجَالِ » حال من «أُولِي »{[34608]} ){[34609]} .

فصل

المراد ب { التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة } .

قال مجاهد وعكرمة والشعبي : هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم ، لا همة لهم إلا ذلك ، ولا حاجة لهم في النساء .

وعن ابن عباس : أنه الأحمق العنين .

وقال الحسن : «هو الذي لا ينتشر ولا يستطيع غشيان{[34610]} النساء ولا يشتهيهن » .

وقال سعيد بن جبير : المعتوه{[34611]} . وقال عكرمة : المجبوب{[34612]} . وقيل : هو المخنّث{[34613]} . وقال مقاتل : هو الشيخ الهم والعنِّين والخَصِيّ والمجبوب ونحوه{[34614]} .

واعلم أن الخَصِيّ والمجبوب ومن يشاكلهما قد لا يكون له إربة في نفس الجماع ، ويكون له إربة فيما عداه من التمتع ، وذلك يمنع من أن يكون هو المراد ، فيجب أن يحمل المراد على من لا إربة له في سائر وجوه التمتع لما روت عائشة قالت :

كانَ رجلٌ مخنَّثٌ يدخل على أزواج - النبي صلى الله عليه وسلم - فكانوا يَعدُّونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة فقال : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ{[34615]} . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أَلاَ أرى هذا يعلم ما هَهُنا ، لا يَدْخُلَنَّ هَذا » فحجبوه{[34616]} .

وفي رواية عن زينب بنت أم سلمة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلَ عليها وعندها مخنَّث ، فأقبل على أخي أم سلمة ، فقال : «يا عبد الله ، إن فتح الله غداً لكم الطائف دللتك على بنت غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان » . فقال عليه السلام{[34617]} : «لا يدخُلَنَّ عليكم هذا » فأباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخول المخنث عليهن ، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهنَّ علم أنه من أولي الإربة ، فحجبه{[34618]} .

وفي الخَصِيّ والمجبوب ثلاثة أوجه :

أحدها : استباحة الزينة الباطنة .

والثاني : تحريمها .

( والثالث : تحريمها ){[34619]} على المَخْصِيّ دون المجبوب{[34620]} .

قوله{[34621]} : أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ } .

تقدم{[34622]} في الحج{[34623]} أن الطفل يطلق على المثنى والمجموع ، فلذلك وصف بالجمع .

وقيل : لما قصد به الجنس روعي فيه الجمع كقولهم : «أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَار الحمْر والدِّرْهَمُ البِيضُ »{[34624]} . و«عَورَاتِ » جمع عَوْرَةٍ ، وهو ما يريد الإنسان ستره من بدنه ، وغلب في السَّوأَتَيْن . والعامة على «عوْرات » بسكون الواو ، وهي لغة عامة العرب ، سكنوها تخفيفاً لحرف العلة . وقرأ ابن عامر في رواية «عَوَرَاتِ » بفتح الواو {[34625]} .

ونقل ابن خالويه أنها قراءة ابن أبي إسحاق والأعمش ، وهي لغة هذيل بن مدركة{[34626]} . قال الفراء{[34627]} : وأنشد في بعضهم :

أَخُو بَيَضَاتٍ رائِحٌ مُتَأوِّبٌ{[34628]} *** رَفِيقٌ بمَسْحِ المَنْكبَيْنِ سَبوح{[34629]}

وجعلها ابنُ مجاهد لحناً وخطأ ، يعني : من طريق الرواة ، وإلا فهي لغة ثانية{[34630]} .

( فصل ){[34631]}

الظهور على الشيء يكون بمعنى العلم به ، كقوله{[34632]} تعالى : { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ }{[34633]} [ الكهف : 20 ] أي : يشعروا بكم . ويكون بمعنى الغلبة عليه ، كقوله : { فَأَصْبَحُوا ظَاهِرينَ }{[34634]} .

فلهذا قال مجاهد وابن قتيبة : معناه : لم يطلعوا على عورات النساء ، ولم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر{[34635]} .

وقال الفراء{[34636]} والزجاج{[34637]} : لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء{[34638]} .

وقيل : لم يبلغوا حدّ الشهوة .

فصل

فأما المراهق فيلزم المرأة أن تستُر منه ما بين سرتها وركبتها ، وفي لزوم ستر ما عداه وجهان :

الأول : لا يلزم ، لأن القلم غير جار عليه .

والثاني : يلزم كالرجل ، لأنه مشتهى ، والمرأة قد تشتهيه ، واسم الطفل شامل له إلى أن يحتلم{[34639]} وأما الشيخ فإن بقيت له شهوة فهو كالشاب ، وإن لم تبق له شهوة ففيه وجهان :

أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة ، والعورة معه{[34640]} ما بين السرة والركبة .

والثاني : أن جميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة .

وههنا آخر الصور التي استثناها الله تعالى ، ( والرضاع كالنسب ) {[34641]} {[34642]} .

قوله : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } .

قال ابن عباس وقتادة : كانت المرأة تمر بالناس وتضرب برجليها ليسمع{[34643]} قعقعة خلخالها ، فنُهِينَ عن ذلك ؛ لأن الذي تغلب عليه شهوة النساء إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعية له زائدة إلى مشاهدتهن ، وعلل تعالى ذلك بقوله : { لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }{[34644]} وفي الآية فوائد :

الأولى : لما نهي عن استماع الصوت الدال على وجود الزينة ، فلأن يدل على المنع من إظهار الزينة أولى .

الثانية : أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب ، إذ{[34645]} كان صوتها أقرب إلى الفتنة ( من صوت خلخالها ، ولذلك كرهوا أذان النساء لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت ، والمرأة منهية عنه .

الثالثة : تدل على تحريم النظر إلى وجهها بشهوة ، لأن ذلك أقرب إلى الفتنة ){[34646]} {[34647]} .

قوله تعالى : { وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا المؤمنون } . قال ابن عابس : توبوا{[34648]} مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة{[34649]} . وقيل : تُوبُوا من التقصير الواقع منكم في أمره ونهيه . وقيل : راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة .

قوله : «أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ » . العامة على فتح الهاء وإثبات ألف بعد الهاء ، وهي «ها »{[34650]} التي للتنبيه . وقرأ ابن عامر هنا وفي الزخرف «يأَيُّهُ{[34651]} السَّاحِر »{[34652]} وفي الرحمن «أَيُّهُ الثقلان »{[34653]} بضم الهاء وصلاً ، فإذا وقف سكن{[34654]} .

ووجهها{[34655]} : أنه لما حذفت الألف لالتقاء الساكنين استحقت الفتحة على حرف خفي ، فضمت الهاء{[34656]} إتباعاً . وقد رُسِمَتْ هذه المواضع الثلاثة دون ألف ، فوقف أبو عمرو والكسائي بألف والباقون بدونها اتباعاً للرسمِ ، ولموافقة الخط للفظ{[34657]} . وثبتت في غير هذه المواضع حَمْلاً لها على الأصل نحو : «يَأَيُّهَا النَّاسُ »{[34658]} ، «يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا »{[34659]} وبالجملة فالرسم سنة متبعة .


[34542]:في ب: قوله تعالى.
[34543]:في ب: والكلام.
[34544]:انظر الفخر الرازي 23/206.
[34545]:في الأصل: والسواد.
[34546]:القرط: الذي يعلق في شحمة الأذن، والجمع أقراط وقيراط وقروط وقرطة، فالقرط نوع من حلي الأذن، اللسان (قرط).
[34547]:القلائد: جمع قلادة، وهي ما جعل في العنق. اللسان (قلد).
[34548]:في ب: من الزينة.
[34549]:في ب: اللباس.
[34550]:انظر الفخر الرازي 23/206.
[34551]:في ب: التقدير. وهو تحريف.
[34552]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[34553]:إنما: سقط من ب.
[34554]:ما بين القوسين من الأصل.
[34555]:الوشم: ما تجعله المرأة على ذراعها بالإبرة ثم تحشوه بالنئور، وهو دخان الشحم والجمع وشوم ووشام، وهي العلامات. اللسان (وشم).
[34556]:الغمرة تطلى به العروس، يتخذ من الورس، الغمرة والغمنة واحد، قال أبو سعيد: هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها حتى ترق بشرتها وجمعها الغمر والغمن. اللسان (غمر).
[34557]:في ب: خرج. وهو تصحيف.
[34558]:انظر الفخر الرازي 23/206 – 207.
[34559]:تقدم.
[34560]:انظر البغوي 6/98.
[34561]:[الأعراف: 31].
[34562]:انظر البغوي 6/98.
[34563]:انظر البغوي 6/98.
[34564]:المرجع السابق.
[34565]:المرجع السابق.
[34566]:في الأصل: قوله.
[34567]:انظر الفخر الرازي 23/207.
[34568]:انظر البحر المحيط 6/448.
[34569]:قال ابن مجاهد: (روى عباس بن المفضل عن أبي عمرو: "وليضربن" على معنى كي. قال أبو بكر: ولا أدري ما هذا) السبعة (454). يريد ابن مجاهد أنه لا وجه لأن تقرأ الآية بلام كي التعليلية الناصبة للمضارع، لأن ما قبلها أوامر ونواه فهي لام أمر. وقال ابن عطية عند توجيهه لهذه القراءة أنها (بكسر اللام على الأصل، لأن الأصل الأمر الكسر في "ليذهب وليضرب" وإنما تسكينها كتسكين عضد وفخذ) تفسير ابن عطية 100/489، وانظر المختصر (101).
[34570]:انظر البحر المحيط 6/448.
[34571]:البحر المحيط 6/448، الإتحاف 324.
[34572]:في ب: السحراء. وهو تصحيف.
[34573]:البيت من بحر الرمل قاله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (145)، البحر المحيط 6/443.
[34574]:في ب: قوله.
[34575]:يسدلن: يرخين ويشددن.
[34576]:في الأصل: وكان.
[34577]:في الأصل: وكان.
[34578]:في ب: فأمر.
[34579]:في ب: عائشة رضي الله عنها.
[34580]:مروط: جمع مرط: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل هو الثوب الأخضر والمرط: كل ثوب غير مخيط. اللسان (مرط).
[34581]:انظر الفخر الرازي 23/207.
[34582]:في ب: بعولهن. وهو تحريف.
[34583]:أن: سقط من ب.
[34584]:انظر الفخر الرازي 23/207 – 208.
[34585]:أنهما: سقط من ب.
[34586]:في الأصل: الأعراف. وهو تحريف.
[34587]:من قوله تعالى: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا} [الأحزاب: 55].
[34588]:انظر الفخر الرازي 23/208.
[34589]:في ب: وهو.
[34590]:في ب: و.
[34591]:انظر الفخر الرازي 23/208.
[34592]:في ب: المذمة. وهو تحريف.
[34593]:في النسختين: للكافر.
[34594]:انظر الفخر الرازي 23/208.
[34595]:أخرجه أبو داود (لباس) 4/359.
[34596]:لا: سقط من ب.
[34597]:المكاتب: العبد يكاتب على نفسه بثمنه، فإذا سعى وعمل وأدى هذا الثمن عتق. اللسان (كتب).
[34598]:انظر الفخر الرازي 23/208.
[34599]:انظر البغوي 6/101.
[34600]:في الأصل: و.
[34601]:في ب: أبو بكر وابن عامر.
[34602]:السبعة (455)، الحجة لابن خالويه (261)، الكشف 2/136، النشر 2/332، الإتحاف (424).
[34603]:في ب: قيل.
[34604]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/120، الكشاف 3/72، تفسير ابن عطية 10/493، البيان 2/195، التبيان 2/969.
[34605]:السبعة (454)، الحجة لابن خالويه (261)، الكشف 2/136، النشر 2/332 الإتحاف (324).
[34606]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/120 – 121، الكشاف 3/72، تفسير ابن عطية 10/493 البيان 2/195، التبيان 2/969.
[34607]:عند قوله تعالى: {ولي فيها مآرب أخرى} [طه: 18].
[34608]:انظر التبيان 2/969.
[34609]:ما بين القوسين سقط من ب.
[34610]:في ب: حسان. وهو تحريف. الغشيان: إتيان الرجل المرأة، والفعل غشي يغشى، وغشي المرأة غشيانا: جامعها. اللسان (غشا).
[34611]:المعتوه: المدهوش من غير مس جنون، وقيل هو المجنون المصاب بعقله. اللسان (عته).
[34612]:المجبوب: الخصي الذي قد استؤصل ذكره وخصياه. اللسان (جبب).
[34613]:الخنثى: الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، وهو الذي له ما للرجال والنساء جميعا. اللسان (خنث).
[34614]:انظر هذه الأقوال في البغوي 6/102.
[34615]:معنى (تقبل بأربع وتدبر بثمان): تقبل بأربع طيات من لحم جسمها وتدبر بثمان منها.
[34616]:أخرجه مسلم (سلام) 4/1716.
[34617]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[34618]:أخرجه البخاري (نكاح) 3/266، ومسلم (سلام) 4/1715.
[34619]:ما بين القوسين سقط من ب.
[34620]:انظر الفخر الرازي 23/209.
[34621]:قوله: سقط من الأصل.
[34622]:في ب: مقدم.
[34623]:عند قوله تعالى: {ثم نخرجكم طفلا} [الحج: 5].
[34624]:انظر البحر المحيط 6/449.
[34625]:في النسختين: بفتح العين والصواب ما أثبته، لأنه لا خلاف في فتح العين، وإنما الخلاف في فتح الواو، إلا إذا كان يريد بفتح العين فتح عين الكلمة. تفسير ابن عطية 10/493، والقراءة بالفتح على الأصل، لأن فعلة يجمع على فعلات بفتح العين نحو قولك جفنة وجفنات، وصحفة وصحفات، فإذا كان نحو قولك لوزة وحوزة وعورة، فالأكثر أن تسكن، وكذلك قوله بيضات لثقل الحركة مع الواو والياء ومن العرب من يلزم الأصل والقياس في هذا فيقول جوزات وبيضات. وعلى هذا قرئ "عورات". انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/42.
[34626]:المختصر (103).
[34627]:لم أجد ما قاله الفراء في معاني القرآن للفراء وهو في البحر المحيط 6/449.
[34628]:في ب: متأدب. وهو تحريف.
[34629]:البيت من بحر الطويل قاله أحد الهذليين وهو في الخصائص 3/184، المنصف 1/343، ابن يعيش 5/30، اللسان (بيض) البحر المحيط 6/449، المقاصد النحوية 4/517، التصريح 2/299، الهمع 1/23، الأشموني 4/118، الخزانة 8/102، شرح شواهد الشافية 4/132، الدرر 61.
[34630]:قال ابن خالويه: (وسمعت ابن مجاهد يقول هو لحن. فإن جعله لحنا وخطأ من قبل الرواية وإلا فله مذهب في العربية بنو تميم تقول: روضات وجوزات وعورات وسائر العرب بالإسكان وهو الاختيار، لئلا تنقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها) المختصر (103).
[34631]:ما بين القوسين بياض في الأصل.
[34632]:في ب: لقوله.
[34633]:[الكهف: 20].
[34634]:[الصف: 14].
[34635]:انظر تفسير غريب القرآن (304).
[34636]:معاني القرآن 2/250.
[34637]:معاني القرآن وإعرابه 4/42.
[34638]:انظر الفخر الرازي 23/210.
[34639]:انظر الفخر الرازي 23/210.
[34640]:في النسختين: منه.
[34641]:انظر الفخر الرازي 23/210.
[34642]:ما بين القوسين في ب: كالرضاع. وهو تحريف.
[34643]:ليسمع، سقط من ب.
[34644]:انظر الفخر الرازي 23/210.
[34645]:في ب: إذا.
[34646]:انظر الفخر الرازي 23/211.
[34647]:ما بين القوسين سقط من ب.
[34648]:في ب: عما.
[34649]:انظر الكشاف 3/73، الفخر الرازي 23/211.
[34650]:في ب: الهاء.
[34651]:في النسختين: يا أيها.
[34652]:[الزخرف: 49].
[34653]:[الرحمن: 31].
[34654]:السبعة (455، 586 – 587، 640)، الكشف 2/136 – 137، الإتحاف 324).
[34655]:في ب: وتوجيهها.
[34656]:في الأصل: إليها.
[34657]:السبعة (455، 586 – 587، 640)، الكشف 2/137، الإتحاف (324).
[34658]:من قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} [الحج: 1].
[34659]:من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا} [النساء: 71].