اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ ٱطَّيَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تُفۡتَنُونَ} (47)

ثم إن صالحاً عليه السلام{[39123]} لما قرّر هذا الكلام الحقّ أجابوه بكلام فاسد ، فقالوا «اطّيَّرنَا بِكَ » أي : تشاءمنا بك ، لأنّ الذي يصيبنا من شدة وقحط شؤمك وشؤم من معك{[39124]} . وقرئ : «تطيّرنّا بِكَ »{[39125]} ، وهو الأصل ، وأدغم ، وتقدّم تقريره{[39126]} ، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافراً فيمرُّ بطائر فيزجره ، فإن مرّ سانحاً{[39127]} تيمّن ، وإن مرَّ بارحاً تشاءم{[39128]} ، فلمّا نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر ، وهو قدر الله{[39129]} وقسمته ، فأجاب صالح - عليه السلام{[39130]} - بقوله : طائركم عند الله ، أي السبب الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله ، وهو قضاؤه وقدره وهو مكتوب عليكم{[39131]} . سمي طائراً لسرعة نزوله بالإنسان ، لأنّه لا شيء أسرع من قضاء محتوم . قال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم{[39132]} . وقيل طائركم : عملكم عند الله{[39133]} ، سمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء ، وقيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم ، وقيل : لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا{[39134]} .

قوله : «تُفْتَنُونَ » جاء بالخطاب{[39135]} مراعاةً لتقدّم الضمير ، ولو روعي ما بعده لقيل «يُفْتَنُونَ » بياء الغيبة ، وهو جائز ولكنه مرجوح ، ويقول : أنت رجل يفعل وتفعل بالياء والتاء ، ونحن قوم نقرأ ويقرأون{[39136]} .

والمراد من هذا الكلام أن صالحاً - عليه السلام{[39137]} - بين بهذا الكلام جهلهم بقوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } ، فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول ، ويحتمل أن المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته .

وقال{[39138]} ابن عباس : يُخْتَبرون بالخير والشر كقوله : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ، وقال محمد بن كعب : يعذبون{[39139]} .


[39123]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39124]:انظر الفخر الرازي 24/202-203.
[39125]:لم تعز إلى من قرأ بها. انظر الكشاف 3/146، البحر المحيط 7/82.
[39126]:عند قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئةً يطيَّروا بموسى ومن معه}[الأعراف:131].
[39127]:سانحاً: تكملة من الكشاف.
[39128]:السانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك. والبارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك. انظر اللسان (سنح).
[39129]:في ب: وهو قضاؤه وقدره الله.
[39130]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39131]:الكشاف 3/145-146. بتصرف.
[39132]:انظر البغوي 6/291.
[39133]:انظر الكشاف 3/146.
[39134]:في ب: فقحطوا. وانظر البغوي 6/290-291.
[39135]:في ب: الخطاب.
[39136]:انظر البحر المحيط 7/83.
[39137]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39138]:في ب: قال.
[39139]:انظر البغوي 6/291.