قوله : «قَالُوا تَقَاسَمُوا » يجوز في«تَقَاسَمُوا » أن يكون أمراً ، قال بعضهم لبعض : احلفوا على كذا ، ويجوز أن يكون فعلاً ماضياً ، وحينئذ يجوز أن يكون مفسراً ل «قَالُوا » كأنه قيل : ما قالوا ؟ فقيل : تقاسموا{[39155]} . ويجوز أن يكون حالاً على إضمار «قد » ، أي : قالوا ذلك متقاسمين ، وإليه ذهب الزمخشري ، فإنه قال : يحتمل أن يكون أمراً وخبراً في محل الحال بإضمار «قد »{[39156]} . قال أبو حيان : أما قوله : وخبراً . فلا يصح ؛ لأن الخبر أحد قِسْمَي الكلام لأنه ينقسم إلى الخبر والإنشاء ، وجميع معانيه إذا حققت راجعة إلى هذين القسمين{[39157]} قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة مماذا ؟ لأنه جعل الماضي خبراً ، لاحتماله الصدق والكذب ، مقابلاً للأمر الذي لا يحتملهما ، أما كون الكلام لا ينقسم إلا إلى خبر وإنشاء وأن{[39158]} معانيه إذا حققت ترجع إليهما ، فأي مدخل لهذا في الرد على الزمخشري{[39159]} .
ثم قال أبو حيان : والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد ، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد ، فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالاً لجاز أن تستعمل خبراً ، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة صلة : هي خبرية ، فهو مجاز والمعنى : أنها لو لم تكن صلة لجاز أن تستعمل خبراً ، وهذا فيه عوض{[39160]} .
قال شهاب الدين : مسلم أن الجملة ما دامت حالاً أو صلة لا يقال لها خبرية ، بمعنى أنها تستقلّ{[39161]} بإفادة الإسناد ، لأنها سيقت مساق القيد في الحال ومساق حد كلمة في الصلة{[39162]} ، وكان ينبغي أن يذكر أيضاً الجملة الواقعة صفة ، فإن الحكم فيها كذلك{[39163]} ، ثم قال{[39164]} : وأما إضمار «قد » فلا يحتاج إليه ، لكثرة وقوع الماضي حالاً دون «قد » ، كثرة ينبغي القياس عليها{[39165]} .
قال شهاب الدين : الزمخشري مَشَى مع الجمهور فإنّ مذهبهم أنه لا بدَّ من «قد » ظاهرةً أو مضمرةً لتقرّبه من الحال{[39166]} . وقرأ ابن أبي ليلى : «تَقَسَّمُوا » - دون ألف مع تشديد السين{[39167]} - والتَّقاسم والتقسُّم كالتَّظاهر والتَّظَهُّر{[39168]} .
قوله : «بِاللَّهِ » إن جعلت «تَقَاسَمُوا » أمراً ، تعلق به الجار قولاً واحداً ، وإن جعلته ماضياً احتمل أن يتعلق به ، ولا يكون داخلاً تحت القول ، والمقول هو «لنُبَيِّتنَّهُ » ( إلى آخره ، واحتمل أن يتعلق بمحذوف هو فعل القسم ، وجوابه : «لنُبَيِّتَنَّهُ » فعلى هذا يكون ما بعده داخلاً تحت المقول{[39169]} .
قوله : «لنُبيِّتَنَّهُ » ){[39170]} قرأ الأخوان{[39171]} بتاء الخطاب المضمومة وضم التاء{[39172]} ، والباقون بنون المتكلم وفتح التاء{[39173]} . «ثُمَّ لَنَقُولَنَّ » : قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم اللام والباقون بنون المتكلم وفتح اللام{[39174]} ، ومجاهد وابن وثاب والأعمش كقراءة الأخوين{[39175]} . ( إلا أنّه بياء الغيبة في الفعلين{[39176]} ، وحميد بن قيس كهذه القراءة في الأول ، وقراءة غير الأخوين ){[39177]} من السبعة في الثاني{[39178]} . فأمَّا قراءة الأخوين{[39179]} فإن جعلنا «تقاسموا » فعل أمرٍ ، فالخطاب واضح ، رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله ، وإن جعلناه ماضياً ، فالخطاب على حكاية خطاب بعضهم لبعض بذلك . وأما قراءة بقية السبعة ، فإن جعلناه ماضياً أو أمراً فالأمر فيهما واضح وهو حكاية إخبارهم عن أنفسهم وأمّا قراءة الغيبة فيهما فظاهرةٌ على أن يكون «تَقَاسَمُوا » ماضياً{[39180]} رجوعاً بآخر الكلام إلى أوله في الغيبة ، وإن جعلناه أمراً كان «لنُبَيَّتنهُ » جواباً لسؤال مقدر ، كأنّه قيل : كيف تقاسموا ؟ فقيل : لَنُبَيِّتَنَّه . وأما غيبة الأول والمتكلم في الثاني : فتعليله مأخوذ ممّا تقدّم في تعليل القراءتين ، وقال الزمخشري : وقرئ «لتُبَيِّتنَّهُ » بالتاء والياء والنون ، ف «تَقَاسَمُوا » مع التاء والنون يصح ( فيه الوجهان{[39181]} ، يعني يصح ){[39182]} في «تَقَاسَمُوا » أن يكون أمراً وأن يكون خبراً ، قال : ومع الياء لا يصح إلاّ أن يكون خبراً{[39183]} .
قال شهاب الدين : وليس كذلك{[39184]} لما تقدّم من أنه يكون أمراً وتكون{[39185]} الغيبة فيما بعده جواباً لسؤال مقدر{[39186]} . وقد تابع{[39187]} الزمخشريَّ أبو البقاء على ذلك فقال : «تَقَاسَمُوا » فيه وجهان :
أحدهما : هو أمرٌ{[39188]} أي : أمر بعضهم بذلك بعضاً ، فعلى هذا يجوز في «لنُبَيِّتَنَّهُ » النون بتقدير : قولوا لنُبَيِّتَنَّهُ ، والتاء على خطاب الأمر المأمور ، ولا يجوز التاء .
والثاني : هو فعل ماض ، وعلى هذا يجوز الأوجه الثلاثة{[39189]} . يعني بالأوجه : النون والتاء والياء ، قال{[39190]} : وهو على هذا تفسير{[39191]} ، أي : و{[39192]} تقاسموا على كونه ماضياً مفسّراً لنفس «قَالُوا » وقد سبقهما إلى ذلك مكي{[39193]} - رحمه الله - وتقدم توجيه ما منعوه ولله الحمد ، وتنزيل هذه الأوجه بعضها على بعض مما يصعب استخراجه من كلام القوم ، وتقدّم الكلام في «مَهْلِكَ أَهْلِهِ » في الكهف{[39194]} .
من جعله{[39195]} أمراً فموضع «تَقَاسَمُوا » جزم على الأمر ، أي : احلفوا{[39196]} ، ومن جعله فعلاً ماضياً{[39197]} فمحله نصب أي : تحالفوا وتوافقوا لنبيتّنه لنقتلنه ، بياتاً أي : ليلاً ، وأهله : أي : قومه الذين أسلموا معه ، { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ } : أي لولي دمه ، «مَا شَهِدْنَا » ما حضرنا ، «مَهْلِكَ أَهْلَهِ » إهلاكهم ، ولا ندري من قتله ، ومن فتح الميم فمعناه : هلاك أهله ، «وَإِنَّا لَصَادِقُونَ » : في قولنا ما شهدنا ذلك{[39198]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.