اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (51)

قوله : { فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } : قرأ الكوفيون{[39201]} بفتح «أَنَّا » ، والباقون بالكسر{[39202]} ، فالفتح من أوجه :

أحدها : أن يكون على حذف الجر ، لأنَّا دمّرناهم ، و «كَانَ » تامّة ، و «عَاقِبَةُ » فاعل بها ، و «كَيْفَ » : حال{[39203]} .

الثاني : أن يكون بدلاً من «عَاقِبَةُ » ، أي : كيف كان تدميرنا إيّاهم ، بمعنى كيف حدث{[39204]} .

الثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي أنَّا دمَّرناهم ، أي : العاقبة تدميرنا إياهم{[39205]} ، ويجوز مع هذه الأوجه الثلاثة أن تكون كان ناقصة ، ويجعل «كَيْفَ » خبرها{[39206]} ، فتصير الأوجه ستة ، ثلاثة مع تمام «كَانَ » وثلاثة مع نقصانها ، ونزيد مع الناقصة وجهاً آخر ، وهو أن يجعل «عَاقِبَة » اسمها ، و «أَنَّا دَمَّرناهُم » خبرها ، و «كَيْفَ » : حال{[39207]} ، فهذه سبعة أوجه ، والثامن : أن تكون «كان » زائدة ، و «عاقبة » مبتدأ ، وخبره «كَيْفَ » ، و «أَنَّا دَمَّرنَاهُم » بدل من «عاقبة » أو خبر مبتدأ مضمر{[39208]} ، وفيه تعسُّف .

التاسع : أنها على حذف الجار أيضاً ، إلا أنه الباء ، أي : بأنَّا دمَّرناهم ، ذكره أبو البقاء{[39209]} .

العاشر : أنها بدل من «كَيْفَ »{[39210]} ، وهذا وهم من قائله ، لأن المبدل من اسم الاستفهام يلزم معه إعادة حرف{[39211]} الاستفهام ، نحو : كم مالكم{[39212]} أعشرون أم ثلاثون{[39213]} ؟ وقال مكي : ويجوز في الكلام نصب «عَاقِبَة » ويجعل «أَنَّا دَمَّرنَّاهُم » اسم كان{[39214]} . انتهى .

بل كان هذا هو الأرجح كما كان النصب في قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ العنكبوت : 24 ] ونحوه{[39215]} أرجح ، لما تقدّم شبهه بالمضمر ، لتأويله بالمصدر ، وتقدّم تحقيق هذا{[39216]} . وقرأ أُبيّ : «أنْ دَمَّرْنَاهُمْ » وهي : أن{[39217]} المصدرية التي يجوز أن تنصب المضارع ، والكلام فيها كالكلام فيها كالكلام على «أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ »{[39218]} وأمّا قراءة الباقين ، فعلى الاستئناف ، وهو تفسير للعاقبة{[39219]} ، وكان يجوز فيها التمام والنقصان والزيادة ، و «كَيْفَ » وما في حيّزها في محل نصب على إسقاط الخافض ، لأنّه معلق للنظر ، و «أَجْمَعِينَ » : تأكيد للمعطوف والمعطوف عليه .

فصل :

قال ابن عباس : أرسل الله الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه ، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة ، فقتلتهم{[39220]} . وقال مقاتل : نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضاً ، ليأتوا دار صالح ، فجثم عليه الجبل فأهلكهم وأهلك الله قومهم بالصيحة{[39221]} .


[39201]:وهم: عاصم وحمزة والكسائي.
[39202]:السبعة (483-484)، الكشف 2/163، النشر 2/338، الإتحاف (338).
[39203]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/151-152، الكشاف 3/147.
[39204]:المرجع السابق 2/151، الكشاف 3/147.
[39205]:هذا تقدير الزمخشري. الكشاف 3/147، وقدره مكي: "هو أنا...". مشكل إعراب القرآن 2/152. الكشف 2/163. التبيان 2/1010.
[39206]:انظر البيان 2/225.
[39207]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/152، الكشاف 3/147.
[39208]:انظر البحر المحيط 7/86.
[39209]:قال أبو البقاء: (هو في موضع صب، أي: بأنا أو لأنا) التبيان 2/1011.
[39210]:حكاه أبو البقاء. التبيان 2/1011.
[39211]:في ب: حروف.
[39212]:في ب: مالك.
[39213]:انظر التبيان 2/1011.
[39214]:وعبارته: ويجوز ف الكلام نصب "عاقبة" على خبر (كان)، وتجعل "أنا" اسم (كان) مشكل إعراب القرآن 2/152.
[39215]:يريد قوله تعالى: {وما كان جواب قومه}[الأعراف: 82].
[39216]:عند قوله تعالى: {وما كان جواب قومه إلا أن قالوا}[الأعراف: 82].
[39217]:في ب: أنا. وهو تحريف.
[39218]:انظر البحر المحيط 7/86.
[39219]:انظر مشكل الإعراب القرآن 2/151، البيان 2/224، التبيان 2/1010.
[39220]:انظر البغوي 6/292-293.
[39221]:انظر البغوي 6/293.