قوله ( تعالى ){[41713]} : { وَمَا هذه الحياة الدنيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } «اللهو » هو : الاستمتاع بلذّات الدنيا ، و «اللعب » ( الْعَبَثُ ){[41714]} ، سميت بها ، لأنها فانية ، وقيل : «اللهو » الإعراض عن الحق ، و «اللعب » في الإقبال على الباطل .
فإن{[41715]} قيل : قال في الأنعام : { وَمَا الحياة الدنيا } ( ولم يقل : «وَمَا هَذِهِ{[41716]} الحَيَاةُ » ) وقال ههنا : { وما هذه الحياة } فما فائدته ؟ .
فالجواب : أن المذكور ( من{[41717]} قبل ههنا أمر الدنيا ، حيث قال : { فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا } فقال : هذه ، والمذكور قبلها ) هناك الآخرة حيث قال : { يا حسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ }{[41718]} فلم تكن الدنيا في ذلك الوقت في خاطرهم فقال : { وما الحياة الدنيا } .
فإن قيل : ما الحكمة في تقديمه هناك «اللعب » على «اللهو » وههنا أخر «اللعب » عن «اللهو » .
فالجواب : لما كان المذكور من قبل هناك الآخرة ، وإظهارها للحسرة ففي ذلك الوقت ببعد الاستغراق في الدنيا ، بل نفس الاشتغال بها فأخذ{[41719]} الأبعد ، وههنا لما كان المذكور من قبل الدنيا وهي خداعة تدعو النفوس إلى الإقبال عليها والاستغراق فيها ، اللهم إلا لمانعٍ يمنع من الاستغراق فيشتغل بها من غير استغراق ( بها ){[41720]} ، أو لعاصم يعصمه فلا يشتغل بها أصلاً ، فكان : ( ههنا ){[41721]} الاستغراق أقرب من عدمه فقدم اللهو .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله هناك : { وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ } وقال هَهنا { وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان } ؟ .
فالجواب : لما كان الحال هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى وازعٍ قويٍّ فقال : الآخرةُ خَيْر ولما كان الحال هنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع قوي فقال : لا حياة إلا حياة الآخرة{[41722]} .
قوله : { وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان } قدر أبو البقاء وغيره قبل المبتدأ مضافاً أي وإنَّ حَيَاةَ الدارِ الآخرة{[41723]} وإنما قدر ذلك ليتطابق{[41724]} المبتدأ والخبر والمبالغة أحسن و «واو » الحيوان ( عن{[41725]} ياءٍ ) عند سيبويه وأتباعه{[41726]} ، وإنما أبدلت واواً شذوذاً ، وكذلك في «حَيَاةٍ » علماً وقال أبو البقاء لئلا يلتبس بالتثنية{[41727]} يعني لو قيل : حَيَيَانِ - قال : ولم تقلب ألفاً لتَحَرُّكِهَا وانفتاح ما قبلها ؛ لئلا يحذف إحدى الألفين وغير سيبويه{[41728]} حمل ذلك على ظاهره ، فالحياة عند لامُها «واو » . ولا دليل لسيبويه في «حَيِيَ » ؛ لأن الواو متى انكسر ما قبلها قلبت ياءً نحوُ : «عُدِيَ ، ودُعِي ، وَرَضِيَ » . ومعنى الآية{[41729]} : { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } أي الحياة الدائمة الباقية ، والحيوان بمعنى الحياة أي فيها الحياة الدائمة { لو كانوا يعلمون } أي لو كانوا يعلمون أنها الحيوان لما آثروا عليها الدنيا .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله : في الأنعام { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام : 32 ] وقال هنا { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } ؟ .
فالجواب : أن المُثْبَتَ هناك كون الآخرة خيراً ، ولأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت هنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة . وهذا دقيق لا يُعْلَمُ إلا بِعِلْمِ نَافِعٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.