اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

فصل :

روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة{[41691]} وآذاهم المشركون هاجروا إلى المدينة . فقالوا : كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا بها ويسقينا ؟ فأنزل الله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ } أي وكم من دابة ذاتِ حاجة إلى غذاء و { لا تحمل رزقها } لضَعفها ، كالقَمْلِ والبُرْغُوث والدود { الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } حيث ما كنتم «وهو السَّمِيعُ » لأقوالكم : ما نجد ما ننفق بالمدينة ، { العَلِيمُ بما في قلوبكم } .

قال سفيان{[41692]} : ليس شيء مما خلق الله نَجْباً إلا الإنسان والفأرة والنَّمْلَة روى ابن عمر قال : «دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حائطاً من حوائط الأنصار فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقط الرُّطَبَ بيده ويأكل ، فقال : كُلْ يا ابن عمر ، ( قلت : لا أشتهيها{[41693]} يا رسول الله قال : لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة لم أطعم طعاماً ولم أجده ) فقلت : إنا لله الله المستعان قال يا ابن عمر : لو سألت ربي لأعطاني مثل ملْكِ كِسْرَى وقَيْصَرَ أضعافاً مضاعفة ولكني أجوعُ يوماً وأَشْبع يوماً فكيف بك يا ابن عمر إذا عَمَّرْتَ وبَقِيتَ في أمر الناس يُخَِبِّئُونَ رزق سنة ويضعف اليقين{[41694]} فنزلت : { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } الآية ، وقال عليه ( الصلاة و ){[41695]} السلام «لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ على اللَّهِ حقَّ تَوَكُّله لَرَزَقكُمْ كما يرزقُ الطيرَ تغدُو خِمَاصاً ، وتروحُ بِطَاناً{[41696]} » .


[41691]:انظر: القرطبي 13/360 وقد رواه ابن عباس.
[41692]:تقدم.
[41693]:ساقط من "ب".
[41694]:الحديث رواه الإمام السيوطي في الدر المنثور مع اختلاف طفيف في العبارة بسند ضعيف إلى ابن عمر، انظر: الدر المنثور 6/475 والقرطبي 13/359.
[41695]:ساقط من "ب".
[41696]:الحديث أخرجه ابن ماجة في باب الزهد مروي عن عمر بن الخطاب، انظر 2/94.