ثم أجابهم المرسلون فقالوا «طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ » أي شؤمكم معكم ، أي كُفْركُمْ .
قوله : «طائركم » العامة على «طائِر » اسم فاعل أي ما طَارَ لكم من الخير والشر ، فعبر به عن الحظ والنصيب وقرأ الحسن- فيما روى عنه الزمخشري{[45854]} -«اطَّيْرُكُمْ » مصدر اطَّيَّرَ الذي أصله تَطَيَّرَ ، فلما أريد إدغامه أبدلت الفاء{[45855]} طاء وسكنت واجتلبت همزة الوصل وصار اطَّيَّر ، فيكون مصدره «اطَّيَّاراً » .
ولما ذكر أبو حيان هذا لم يرد عليه وكان ( هو ){[45856]} في بعض ما رد به على ابن مالك في شرح التسهيل في باب المصادر{[45857]} أن مصدر «تَطَيَّر وتَدَارأ » إذا أدغما وصار «اطَّيَّر وادَّارأ » لا يجيء مصدرهما عليهما ، بل على أصلهما ، فيقال : اطَّيَّر تَطَيُّراً ، وادَّارأَ تَدَارُءاً . ولكن هذه القراءة تَردُّه إنْ صحت . وهو بعيدٌ{[45858]} .
وقد روى غيره طَيْرُكُمْ بياء ساكنة{[45859]} . ويغلب على الظن أنها هذه . وإنما تصحفت على الراوي فحسبها مصدراً وظن أن ألف «قالوا » همزةُ وَصْلٍ .
قوله : { أَإِن ذُكِّرْتُم } قرأ السبعة{[45860]} بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية وهم على أصولهم من التسهيل والتحقيق ، وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه في سورة ( البقرة ){[45861]} . واخْتَلَفَ سيبويه ويونسُ إذا اجتمع استفهام وشرط أَيُّها يُجَابُ ؟ فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام ، ويونُس إلى إجابة الشرط{[45862]} .
فالتقدير عند سيبويه أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ تَتَطَيُّرُون وعند يونس تَطَيُّرُوا{[45863]} مجزوماً .
فالجواب للشرط على القولين محذوف .
وقد تقدم هذا في سورة الأنبياء{[45864]} . وقرأ أبو جعفر وطلحة وزِرّ بهمزتين مفتوحتين{[45865]} ، إلاَّ أنَّ زِرّاً لم يسهل الثانية ، كقوله{[45866]} :
4172- أَإِنْ كُنْتَ بْنَ أَحْوَى مُرَحَّلاً . . . فَلَسْتَ برَاعٍ لابْن عَمِّكَ مَحْرَمَا{[45867]}
وروي عن أبي عمرو وزرِّ أيضاً كذلك ، إلا أنهما فصلاً بأَلِفٍ بين الهَمْزَتَين{[45868]} . وقرأ المَاجَشُون{[45869]} ( بهمزة ){[45870]} واحدة مفتوحة{[45871]} .
وتخرج هذه القراءات الثلاث على حذف لام العلة أي ( أَ ) لأَنْ ذُكّرْتُمْ تَطَيِّرْتُمْ ف «تطيرتم » هو المعلول ، وأن ذكرتم عليته . والاستفهام منسحب عليهما في قراءة الاستفهام . وفي غيرها يكون إخبارا بذلك . وقرأ الحسن بهمزة واحدة مكسورة{[45872]} وهي شرط من غير استفهام ، وجوابه محذوف أيضاً . وقرأ الأعمش والهَمْدَانيُّ أين{[45873]} بصيغة الظرف . وهي أين الشرطية وجوابها محذوف عند جمهور البصريين{[45874]} أي أين ذكرتم فطائركم معكم أو صُحْبَتُكُمْ طائركم ، لدلالة ما تقدم من قوله : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } ومن يجوز تقديم الجواب لا يحتاج إلى حذف{[45875]} .
وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو رجاء والأصْمَعِيُّ{[45876]} عن نافع ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف{[45877]} .
قوله : «أئن ذكرتم » جواب عن قوله : { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } أي أتفعلون بنا ذلك وإن ذكرتم أي وعظتم بالله وبين لكم الأمر بالمعجز والبُرْهان «بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ » مشركون مجاوزون{[45878]} حيث تجعلون ما يُتَبرَّكُ به يتشاءم بِهِ وتقصدون إيلام من يجب إكرامه ، أو مسرفون حيث تكفرون ثم تُصِرُّونَ{[45879]} بعد ظهور الحق بالمُعْجِزة والبُرهان .
فإن قيل : ( بل ){[45880]} للإضراب فما ( الأمر ) المضروب عنه ؟
فالجواب : يحتمل أن يقال قوله : أَئِنْ ذُكِّرتم وارد على تكذيبهم فإنهم قالوا : نحن كاذبون وإن جئتنا بالبرهان لا بل قوم مسرفون . ويحتمل أن يقال : أنحن مشؤومون وإن جئنا ببيان صحة ما نحن عليه لا بل أنتم قوم مسرفون . ويحتمل أن يقال : أنحن{[45881]} مستحقون الرجم والإيلام وإن بينا صحَّةَ ما أتينا به لا بل أنتم قوم مسرفون{[45882]} .
ذكر المفسرون أن عيسى - عليه ( الصلاة و ) السلام - بعث رجلين إلى أهل أنطاكية فَدَعَوَا إلى توحيد الله وأظهرا المعجزة من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى فحبسهم الملك فأرسل{[45883]} بعدهما شمْعُون ، فأتى الملك ، ولم يدع الرسالة وقرب نفسه من الملك بحسن التدبير ، ثم قال : إني أسْمَعُ ( أنَّ ){[45884]} في الحبس رَجُلَيْنِ يَدِّعيَا ( نِ ){[45885]} أمراً بديعاً أفلا يحضران نسمع كلامهما ؟ فقال الملك : بلى فأحضرا وذكرا مقالتهما الحقَّةَ فقال شمعون : وهل لكما بيِّنَةٌ ؟ قالا : نعم فأبرءا الأكمه والأبرص وأَحْيَيا{[45886]} الموتى . فقال شمعون : يا أيها الملك : إن شئت أن تَغْلِبَهم فقل للآلهة التي تعبدونها تفعل شيئاً من ذلك فقال له الملك أنت لا يخفى عليك أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم فقال شمعون : فَإذَنْ{[45887]} ظهر لي الحق من جانبهم فآمن الملك ( وقوم ){[45888]} وكفر آخرون . وكانت الغلبة للمكذبِينَ{[45889]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.