ثم قال : { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } تقدم الخلاف في قوله : «يدخلون الجنة » في سورة النساء{[48242]} . وقال مقاتل : لا تبعة عليهم فيما يُعْطَوْنَ في الجنة من الخيرات .
واختلفوا في تفسير قوله : «بِغَيْرِ حِسَابٍ » فقيل : لما كان لا نهاية لذلك الثواب قيل : بغير حساب ، وقيل : لأنه تعالى معطيهم ثواب آبائِهِمْ ، ويضم إلى ذلك الثواب من التفضيل ما يخرج من الحساب واقع في مقابلة : «إلاّ مثلها » يعني أن جزاء السيئة له حساب وتقدير ، لئلا يزيد على الاستحقاق فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وغير حساب ، وهذا يدل على أن جانب الرحمة والفضل راجحٌ على جانب العقاب ، فإذا عارضنا عُمُومَاتِ الوَعِيدِ بعُمُومَاتِ الوَعْد وجب أن يكون الترجيحُ لجانبِ عُمُومَاتِ الوعد ، وذلك يهدم قواعد المعتزلة{[48243]} .
احتج أهل السنة بهذه الآية ، فقالوا : قوله : { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً } نكرة في معرض الشرط في جانب الإثبات{[48244]} فجَرَى مَجْرَى أن يقال : «من ذكر كلمة أو من خطا خطوة فله كذا » فإنه يدخل فيه أنّ من آمن بتلك الكلمة أو بتلك الخطوة مرة واحدة فكذلك هاهنا وجب أن يقال : كُلُّ من عمل صالحاً واحداً من الصالحات فإنه يدخل الجنة ، ويُرْزَقُ فيها بغير حساب ، والآتي بالإيمان والمواظب على التوحيد والتنزيه والتقديس مدة ثمانين سنة قد أتى بأعظم الطاعات{[48245]} ، وبأحسن الطاعات ، فوجب أن يدخل الجنة ، والخصم يقول : إنه يَخْلُدُ في النار أَبَدَ الآباد ، وذلك مخالف لهذا النص الصريح . قالت المعتزلة : إنه تعالى شرط فيه كونه مؤمناً ، ومرتكب الكبيرة عندنا ليس بمؤمن ، فلا يدخل في هذا الوعد والجواب ما تقدم في قوله : «يُؤْمِنُون بالغَيْبِ » فإن صاحب الكبيرة مؤمن فَسَقَطَ كلامُهُمْ{[48246]} .
دلت هذه الآية على اعتبار المماثلة في الشريعة ، وأن الزائد على المِثْلِ غير مشروع ، وليس في الآية بيان أن تلك المماثلة معتبرةٌ في أي الأمور ، فلو حملناها على رعاية المماثلة في جميع الأمور صارت الآية عامةً خاصة . وقد ثبت في أصول الفقه أن التعارض إذا وقع بين الإجمال والتخصيص كان الأول أولى ، فوجب أن تحمل هذه الآية على رعاية المماثلة من كل الوجوه إلا ما خَصّهُ الدليل وإذا ثبت ذلك بني عليه أحكامٌ كثيرة من الجنايات على النفوس والأعضاء والأموال ؛ لأنه تعالى بين أنَّ جزاءَ السيئة مقصورٌ على المِثْلِ ، وبين أن جزاء الحسنة ليس مقصوراً على المِثْلِ بل هو خارج عن الحساب{[48247]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.