اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ} (45)

قوله تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا } فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أن من موصولة ، وهي مفعولة للسؤال ، كأنه قيل : وأسْأَل الذي أرسلناهُ من قبلك عَمَّا أرْسِلُوا به ، فإنهم لم يرسلوا إلا بالتوحيد{[49902]} .

الثاني : أنه على حذف حرف الجر على أنه المسؤول عنه والمسؤول الذي هو المفعول الأول محذوف تقديره واسْأَلْنَا عَمَّنْ أَرْسَلْنَاهُ{[49903]} .

الثالث : أن من استفهامية ، مرفوعة بالابتداء ، و«أرسلنا » خبره والجملة معلقة للسؤال فيكون في محل نصب على إسقاط الخافض{[49904]} .

وهذا ليس بظاهر بل الظاهر أن المعلق للسؤال إنما هو الجملة الاستفهامية من قوله : «أَجَعَلْنَا » .

فصل

اختلف في هؤلاء المسؤولين ، فروى عطاء عن ابن عباس ( رضي الله عنهم ) قال : «لما أُسْرِيَ بالنَّبِي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى بعث له آدم وولده من المرسلين فَأّذَّنَ جبْريلُ ثم أقام وقال : يا محمد تقدم فصل بهم ، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل : سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا . . . الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أسأل قد اكتفيت ، ولست شَاكاً فيه » وهذا قول الزهري ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد ؛ قالوا : جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسألهم ، فلم يسأل ولم يشك{[49905]} .

وقال أكثر المفسرين : سَلْ مُؤْمِني أهْلِ الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد ، وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن ، ويدل عليه قراءة عبد الله وأبي : واسأل الذين أرسلنا إليهم قَبْلَك مِنْ رُسُلِنَا ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسوله بعبادة غير الله عز وجل .

وقال عطاء سؤال الأنبياء الذين كانوا قبله ممتنع ، فكأن المراد منه : انظر في هذه المسألة بعقلك وتدبرها بفهمك{[49906]} .


[49902]:ذكره السمين في الدر المصون 4/788.
[49903]:ذكره المرجع السابق، ونقله أبو حيان في بحره 8/19 ولم يرتضه حيث قال: "وأبعد من ذهب إلى أن المعنى واسألنا عن من أرسلنا". البحر المحيط السابق، وانظر أمالي المرتضى 2/89.
[49904]:هذا الوجه امتداد لنفس الوجه الثاني السابق كما ذكره أبو حيان وانظر البحر 8/19 والدر المصون 4/788.
[49905]:ذكره القرطبي 16/94 و95 والرازي 27/216 والزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/413 و414.
[49906]:انظر هذه الأقوال في الرازي 27/216 والقرطبي 16/95 و96.