اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَاۖ وَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (48)

قوله : { إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ } جملة واقعة صفة لقوله : «مِنْ آيَةٍ » فنحكم{[49915]} على موضعها بالجر اعتباراً باللفظ ، وبالنصب اعتباراً بالمحلِّ{[49916]} . وفي معنى قوله : «أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا » أوجه :

أحدها : قال ابن عطية : هم أنهم يستعظمون الآية التي تأتي لجدَّة أمرها وحدوثه ، لأنهم أَنِسُوا بتلك الآية السابقة فيعظُم أمرُ الثانية ويكبرُ{[49917]} وهذا كقول الشاعر :

4409 عَلَى أَنَّها تَعْفُو الكُلُومَ وَإِنَّمَا *** تُوَكَّلُ بالأَدْنَى وَإِنْ جَلَّ مَا بَمْضِي{[49918]}

الثاني : قيل : إن المعنى إلا هي أكبر من أختها السابقة ، فحذف الصفة للعلم بها{[49919]} .

الثالث : قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : هو كلام مناقض ؛ لأن معناه ما من آية من التِّسْع إلا وَهِيَ أكبر من كل واحدة ، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة .

قلْتُ : الغرض بهذا الكلام وصفين{[49920]} بالكِبَر ، لا يَكَدنَ يَتَفَاوَتْنَ فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتقارب{[49921]} في الفضل التقارب اليسير تختلف آراء الناس في تفصيلها ، فبعضهم يفضل هذا وبعضهم يُفَضِّل هذا ، وربما اختلف آراء الواحد فيها ، كقول الحماسي :

4410 مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لاقَيْتَ سَيِّدَهُمْ *** مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يُهْدَى بِهَا السَّارِي{[49922]}

وقالت الأنبارية في الجملة من أبنائها{[49923]} : ثَكِلْتُهُمْ إنْ كُنْتُ أعْلَمُ أَيُّهُمْ أَفْضَلُ ، هُمْ كَالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا{[49924]} .

انتهى كلامه{[49925]} .

وأوله فظيع جداً ، كأن العبارات ضاقت عليه حتى قال ما قال ، وإن كان جوابُهُ حسناً فسُؤاله فظيع{[49926]} .

/خ48

ثم قال : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها وَأَخَذْنَاهُمْ بالعَذَابِ أي بالسنين والطوفان ، والجراد والقمل والضفادع والدم والطَّمس ، فكانت هذه دَلالات لموسى وعذاباً ، وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن الكفر إلى الإيمان .

قالت المعتزلة : هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل فإنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان{[49927]} .


[49915]:في ب فحكم.
[49916]:الدر المصون 4/790.
[49917]:البحر المحيط 8/21.
[49918]:من الطويل، لأبي خراش، خويلد بن مرة الهذلي من أبيات في رثاء أخيه عروة. ورواية البيت مثل رواية صاحب الدر المصون تبعا لأبي حيان والراوية الأصح: بلى إنها.. البيت كما في المراجع الآتية والكلوم جمع كلم ـ بفتح وسكون ـ وهو الجرح ومعنى البيت ـ ومنه نأخذ الشاهد ـ أن الإنسان يشغل بما هو فيه من مشاغل الحياة وإن كل ما سبق أعظم وأشد؛ وانظر البيت في الخصائص لأبي الفتح 2/170 وأمالي القالي 1/271، والدر المصون 4/790، والبحر المحيط 8/21 وابن يعيش 3/177، والخزانة للبغدادي 5/405.
[49919]:قاله السمين في الدر المصون 4/790.
[49920]:في الكشاف: أنهن موصوفات.
[49921]:وفيه: التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها في التفاوت اليسير أن.
[49922]:من البسيط لعبيد بن العرندس وفي الكشاف: يسري بدل يهدى والمعنى: أن هؤلاء الناس قد بلغوا غاية عظيمة في المجد والشرف والسمعة حتى أن الرائي لواحد منهم يحسبه سيدا وما هو به، وكذا جاء التنظير بالبيت في الكلام عن الآية فهؤلاء الناس عندما رأوا هذه الآيات وجدوها معجزة متناهية في العظم لا فرق بين واحدة وأخرى. وانظر الكشاف 3/491 وشرح شواهده 422 والدر المصون 4/790 وفتح القدير للشوكاني 4/559، وكامل المبرد 1/78 و79 والحماسة البصرية 1/478 وأمالي القالي 1/239.
[49923]:الكشاف: وقد فاضلت الأنبارية بين الكلمة من بنيتها.
[49924]:أي فرق بين واحد وآخر، ولم أستطع أن أميز واحدا بالحب على الآخر. وانظر شرح المفصل لابن يعيش 7/100.
[49925]:باللفظ من الدر المصون 4/790 وبالمعنى من الكشاف 2/491.
[49926]:هذا انتقاض من الدر المصون للكشاف ولصاحبه.
[49927]:السابق.