اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

اختلفوا في نُزُول هذه الآية ، وإن كان حُكمُهَا عامًّا لجميع المؤمنين ، فقال قومٌ : نزلت في عبادة بن الصَّامتِ - رضي الله عنه - ، وعبد الله بن أبي ابن سلُول - لعنهُ الله - ، وذلك أنَّهما اخْتَصَما ، " فقال عُبَادة : إن لي أوْلِيَاء من اليَهُود كثير عَدَدَهُم شديدةٌ شوْكَتُهُم ، وإنِّي أبرأ إلى الله - تعالى - وإلى رسُوله من ولايتهِم وولايَة اليَهُود ، ولا مولى لي إلا الله - عزَّ وجلَّ - ورسوله . فقال عبدُ الله - لعنه الله - : لكنِّي لا أبرأ مِنْ ولايَة اليَهُود لأنِّي أخاف الدَّوَائر ولا بُدَّ لِي مِنْهُم فقال النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - : يا أبا الحُبَاب ما نفذت من ولاية اليَهُود على عُبَادة بن الصَّامِت فهو لك دُونه قال : إذْن أقْبَل " فأنزل اللَّه - تعالى -{[12007]} هذه الآية .

وقال السُّدِّيُّ : لمَّا كانت وقعة [ أُحُد ]{[12008]} اشتدَّتْ على طائِفَةٍ من النَّاس ، وتَخوَّفُوا أن يُدَال عليهم الكُفَّار ، فقال [ رَجُلٌ ]{[12009]} من المُسْلِمين : أنَا ألْحَقُ بِفلانٍ اليهُودِيّ ، وآخذ منه أماناً إنِّي أخافُ أن يُدالَ علينا اليَهُود .

وقال رجُل آخَر : أما أنا فألْحَقُ بفُلانٍ النَّصْرَانِيِّ من أهْلِ الشَّام ، وآخُذ منه أمَاناً ، فأنْزَل الله هذه الآية نَهْياً لَهُمَا{[12010]} .

وقال عكرمة : نزلت في أبِي لُبَابة بن عبد المُنْذِر بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - إلى بني قُرَيْظَة حين حَاصَرَهُم ، فاسْتَشَارُوه في النُّزول ، وقالوا : ماذا يَصْنَعُ بنا إذا نَزَلْنَا فجعل إصْبَعَهُ على حَلْقِه أنَّه الذَّبح ، أي : يَقْتُلكُمْ ، فنَزَلَتْ هذه الآية{[12011]} ؛ ومعنى لا تتَّخِذُوهُمْ أي : لا تَعْتَمِدُوا على اسْتِنْصَارِهِم ، ولا تتودَّدُوا إلَيْهِم .

قوله : { بَعْضُهم أوْلِيَاءُ بَعْضٍ } مُبْتَدأ وَخَبَر ، وهذه الجُمْلَة لا مَحَلَّ لها ؛ لأنها مُسْتَأنفة ، سيقَتْ تعليلاً للنَّهْي المتقدِّم .

وزعم الحوفيّ أنها في محلِّ نصب نعتاً ل " أَولياء " ، والأوَّل هو الظّاهر ، والضَّمير في " بَعْضِهِم " يعود على اليهُود والنَّصارى على سَبِيل الإجْمَالِ ، والقرينة تبين أن بعض اليهود أولياء بعض ، وأن بعض النصارى أولياء بعض [ وبهذا التقرير لا يحتاج كما زعم بعضهم إلى تقدير محذوف يصح به المعنى ، وهو : بعض اليهود أولياء بعض ، وبعض النصارى أولياء بعض ]{[12012]} .

قال : لأن اليهود لا يتَوَلَّوْنَ النصارى ، والنصارى لا يتولَّوْن اليهود ، وقد تقدم جوابه .

قوله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ } فيوافقُهُم ويُعينُهم ، " فإنَّهُ مِنْهُم " قال ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - : يعني كانوا مِثْلَهُم{[12013]} فهذا تَغْلِيظٌ من الله وتشديدٌ في [ وجوب ]{[12014]} مجانبة المُخالِفِ في الدِّين ، ونَظِيره قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } [ البقرة : 249 ] ، وهذه الآية تدلُّ على مَنْع إثْبَات المِيرَاث للمُسْلِم من المرتَدِّ .

ثم قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } رُوِي عن أبي مُوسى الأشْعَري - رضي الله عنه - أنَّه قال : قُلْتُ لعمر بن الخَطّاب - رضي الله عنه - إن [ لي كاتباً ]{[12015]} نَصْرانياً .

قال : مَا لَكَ قاتلَك اللَّه ؟ ألا اتَّخْذَت حَنِيفاً ، أما سَمِعْت قول الله - تعالى - : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } .

قلت : لَهُ دينُهُ ولي كِتَابتُه قال : لا أكرمُهم إذ أهَانَهُم الله ، ولا أعزُّهُم إذ أذَلَّهُم ، ولا أدْنِيهِمْ إذ أبْعدَهَمُ الله .

قلت : لا يَتِمُّ النُّصْرة إلاَّ به ، فقال : مَاتَ النَّصْرَانِيُّ والسَّلام ، يعني : هَبْ أنَّهُ مات فَمَا تَصْنَعَ بَعْدَهُ ، فما تعمله بعد موْتِهِ فاعْمَلْهُ الآنَ ، واستعن عنهُ بِغيْرِه{[12016]} .


[12007]:أخرجه الطبري في تفسيره" (4/615) والبيهقي في "دلائل النبوة"(3/175) عن عبادة بن الوليد وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(2/515) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه. والخبر في "السيرة النبوية" لابن هشام (2/428-429).
[12008]:سقط في أ.
[12009]:سقط في أ.
[12010]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(4/616) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/515) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن السدي.
[12011]:أخرجه الطبري في "تفسيره"(4/616) عن عكرمة وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/515) وزاد نسبته لابن المنذر.
[12012]:سقط في أ.
[12013]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/618) عن ابن عباس.
[12014]:سقط في أ.
[12015]:في أ: في كتابنا.
[12016]:تقدم في تفسير سورة البقرة وهو في ابن أبي حاتم والشعب.