اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (63)

و " لولا " : حرفُ تحضيض ومعناه التوبيخ أي : هلاَّ ، وقرأ الجَرَّاحُ وأبُو وَاقِدٍ : " الرِّبِّيُّونَ " مكان الرَّبَانِيِّين ، قال الحسن - رحمه الله - : " الرَّبَانِيُّون عُلَمَاءُ أهل الإنجيل ، والأحْبَار عُلَمَاءُ أهْل التَّوْرَاة " {[12236]} ، وقال غيره{[12237]} : كُلُّهُم في اليهُود ؛ لأنَّه مُتَّصِل بذكرهم ، والمعنى : أنَّ اللَّه اسْتَبْعَدَ من عُلَمَاءِ أهْلِ الكتاب أنَّهُمْ ما نهوا سَفَلتهم وعَوامَّهُم عن المَعَاصِي ، وذلك يُدُلُّ على أنَّ تَرْكَ النَّهْي عن المنكر بمنزلة مُرْتَكِبِهِ ؛ لأنَّهُ تعالى ذَمَّ الفَرِيقَيْنِ في هَذِهِ الآيَةِ على لَفْظٍ واحدٍ ، بل نقُول : أنَّ ذَمَّ تَارِك النهي عن المُنْكَر أقْوَى ؛ لأنَّه قال في المُقْدِمِين على الإثْمِ والعُدْوان وأكلهم السُّحْت : { لبئس ما كانُوا يَعملُون } وقال في العُلَمَاء{[12238]} التَّاركِين للنَّهْي عن المنكر : { لبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُون } والصُّنْعُ أقوى مِنَ العَمَلِ ؛ فإنَّما العمل يُسَمَّى صِناعَةً ، إذا صَارَ مُسْتَقِرّاً راسخاً مُتَمَكِّناً ، فجعل [ حُرْمَ ]{[12239]} العامِلين ذَنْباً غير رَاسخٍ ، وذنب التَّارِكِين للنهْي المُنْكر ذَنْباً راسِخاً ، والأمْرُ في الحقيقَة راسخاً كذلك ؛ لأنَّ المعْصِيَة مرضُ الرُّوح ، وعلاجُه العِلْمُ باللَّه وبصفَاتِهِ وبأحْكَامِه ، فإذا حَصَل هذا العِلْم ولم تزل المعْصِيَة ، كان كالمَرِيض الذي يعالج بأدويته ، قَلَّ فيها الشِّفَاءُ ، ومثل هذا المرض صَعْبٌ شديد لا يَكَادُ يَزُولُ ، وكذلك العَالِمُ إذا أقْدَم على المعْصِيَة دَلّ على أنَّ مرض فَقْد الإيمَان في غايَةِ القُوَّةِ والشِّدَّةِ .

رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال : هِيَ أشَدُّ آية في القُرْآن{[12240]} ، وعَنِ الضَّحَّاك : ما في القُرآن آية أخْوَفُ عِنْدِي مِنْهَا{[12241]} .

وقرأ{[12242]} ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - " بِئْسَمَا " بغير لام قسم ، و " قَوْلِهِمْ " مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه ، و " الإثْمَ " مفعولُه .

والظاهر أن الضمير في " كانُوا " عائدٌ على الأحْبَار والرُّهْبَان ، ويجوز أن يعودَ على المتقدِّمين .


[12236]:ذكره القرطبي في تفسيره(6/123) عن الحسن.
[12237]:ينظر: تفسير الرازي 12/34.
[12238]:ينظر: المصدر السابق.
[12239]:سقط في أ.
[12240]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/638) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/524) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
[12241]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/638) عن الضحاك وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/524-525) وزاد نسبته لابن المبارك في "الزهد" وعبد بن حميد وابن المنذر.
[12242]:ينظر: المحرر الوجيز 2/214، وفيه:" وقرأ عباس" وينظر: البحر المحيط 3/532، والدر المصون 2/565.