لما بيَّن أن ما تُوعَدُون ، لآتٍ ، أمر رَسُوله بَعْدَه أن يُهَدِّد من يُنْكر البَعْث من الكُفَّارِ .
وقرأ أبو بكر{[15230]} عن عَاصِم " مَكَانَاتِكُمْ " بالجَميع في كُلِّ القُرْآن ، أي : على تَمَكُّنِكُمْ .
وقال عطاء : على حَالاتِكُم التي أنْتُم عليها ، والباقون : مَكَانَتِكُمْ .
قال الواحدي{[15231]} : والوَجْه الإفْرَادُ ؛ لأنه مَصْدر ، والمصادِرُ في أكْثر الأمْر مُفْرَدة ، وقد يُجْمَع في بعض الأحوالِ إلا أنَّ الغالبَ هو الأوَّل ، فمن أفْرَد فلإرادة الجِنْسِ ، ومن جَمَع فَليُطَابق ما بَعْدَه ، فإن المخَاطِبين جماعة ، وقد أُضِيفَت إلَيْهم ، وقد علم أن الكُلَّ وَاحِد مَكانه .
قال الزمخشري{[15232]} : المكانَةُ تكون مَصْدراً ؛ يقال : مكَنَ مَكَانَةً إذا تمكَّنَ أبْلَغ التمكّن ، وبعنى المكان ؛ يقال : مكان ومكانة ، ومقام ومقامة ، فقوله : " اعْملُوا على مَكَانِتِكُم " يحتمل " اعْملُوا " على تمكُّنِكُم من أمْرِكُم وأقْصَى اسْتِطَاعَتِكُم وإمكَانِكُم ، ويحتمل أن يُراد " اعملوا " على حالتكم التي أنتم عليها ، يقال للرّجل إذا أُمر أن يثبت على حاله : مكانتك يا فلان ، أي : اثبُت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه ، واختُلف في ميم " مكان " و " مكانة " :
فقيل : هي أصلية ، وهما من مَكَنَ يمكُن ، وقيل : هما من الكون فالميم زائدة ، فيكون المعنى على الأول : اعملوا على تمكّنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، قال معْنَاه أبو إسحاق الزَّجَّاج{[15233]} ، وعلى الثاني : أعْمَلُوا على جِهْتِكم وحَالِكُم التي أنْتُم عليها .
قوله : " إني عامل " على مَكَانتي الَّتِي أنا عليها ، والمعنى : أثْبُتُوا على عَدَاوَتِكُم وكُفْرِكُم ، فإني ثابتٌ على الإسلام وعلى مَضَارَّتِكُم ، " فَسوْفَ تَعْلَمُون " أيُّنَا يَنَال العَاقِبة المحمُودة ، وهذا أمْر تَهْدِيد ؛ كقوله : " اعملُوا ما شِئْتُم " .
قوله : " مَنْ تَكُونُ لَهُ " يَجُوز في " مَنْ " هذه وجهان :
أحدهما : أن تكون موصولة وهو الظَّاهِر ، فهي في محلَِّ نَصْب مفْعُولاً به ، و " عَلِمَ " هنا مُتَعَدِّية لواحد ؛ لأنَّها بمعنى العِرْفَان .
الثاني : أن تكون استِفْهَاميَّة ، فتكون في محلِّ رفع بالابتداء ، و " تكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ " تكون واسْمُهَا وخَبَرُهَا في محلِّ رفع خبراً لها ، وهي خبرها في محلِّ نَصْبٍ : إمَّا لسَدِّها مَسَدَّ مَفْعُول وَاحِدٍ إن كانت " عَلِمَ " عِرْفَانيَّة ، وإمَّا لسدِّها مسدَّ اثنين إن كانت يقينيّة .
وقرأ الأخوان : " مَنْ يكُون لَهُ عَاقِبةُ الدَّارِ " هنا ، وفي " القصص " [ الآية : 37 ] بالياء ، والباقون : بالتاء من فوق{[15234]} ، وهما واضحتان ، فإن تأنيثها غير حَقِيقِيّ ، وقد تقدم ذَلِك في قوله : { وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقر : 123 ] .
وقوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.