اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَامِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (135)

لما بيَّن أن ما تُوعَدُون ، لآتٍ ، أمر رَسُوله بَعْدَه أن يُهَدِّد من يُنْكر البَعْث من الكُفَّارِ .

وقرأ أبو بكر{[15230]} عن عَاصِم " مَكَانَاتِكُمْ " بالجَميع في كُلِّ القُرْآن ، أي : على تَمَكُّنِكُمْ .

وقال عطاء : على حَالاتِكُم التي أنْتُم عليها ، والباقون : مَكَانَتِكُمْ .

قال الواحدي{[15231]} : والوَجْه الإفْرَادُ ؛ لأنه مَصْدر ، والمصادِرُ في أكْثر الأمْر مُفْرَدة ، وقد يُجْمَع في بعض الأحوالِ إلا أنَّ الغالبَ هو الأوَّل ، فمن أفْرَد فلإرادة الجِنْسِ ، ومن جَمَع فَليُطَابق ما بَعْدَه ، فإن المخَاطِبين جماعة ، وقد أُضِيفَت إلَيْهم ، وقد علم أن الكُلَّ وَاحِد مَكانه .

قال الزمخشري{[15232]} : المكانَةُ تكون مَصْدراً ؛ يقال : مكَنَ مَكَانَةً إذا تمكَّنَ أبْلَغ التمكّن ، وبعنى المكان ؛ يقال : مكان ومكانة ، ومقام ومقامة ، فقوله : " اعْملُوا على مَكَانِتِكُم " يحتمل " اعْملُوا " على تمكُّنِكُم من أمْرِكُم وأقْصَى اسْتِطَاعَتِكُم وإمكَانِكُم ، ويحتمل أن يُراد " اعملوا " على حالتكم التي أنتم عليها ، يقال للرّجل إذا أُمر أن يثبت على حاله : مكانتك يا فلان ، أي : اثبُت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه ، واختُلف في ميم " مكان " و " مكانة " :

فقيل : هي أصلية ، وهما من مَكَنَ يمكُن ، وقيل : هما من الكون فالميم زائدة ، فيكون المعنى على الأول : اعملوا على تمكّنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، قال معْنَاه أبو إسحاق الزَّجَّاج{[15233]} ، وعلى الثاني : أعْمَلُوا على جِهْتِكم وحَالِكُم التي أنْتُم عليها .

قوله : " إني عامل " على مَكَانتي الَّتِي أنا عليها ، والمعنى : أثْبُتُوا على عَدَاوَتِكُم وكُفْرِكُم ، فإني ثابتٌ على الإسلام وعلى مَضَارَّتِكُم ، " فَسوْفَ تَعْلَمُون " أيُّنَا يَنَال العَاقِبة المحمُودة ، وهذا أمْر تَهْدِيد ؛ كقوله : " اعملُوا ما شِئْتُم " .

قوله : " مَنْ تَكُونُ لَهُ " يَجُوز في " مَنْ " هذه وجهان :

أحدهما : أن تكون موصولة وهو الظَّاهِر ، فهي في محلَِّ نَصْب مفْعُولاً به ، و " عَلِمَ " هنا مُتَعَدِّية لواحد ؛ لأنَّها بمعنى العِرْفَان .

الثاني : أن تكون استِفْهَاميَّة ، فتكون في محلِّ رفع بالابتداء ، و " تكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ " تكون واسْمُهَا وخَبَرُهَا في محلِّ رفع خبراً لها ، وهي خبرها في محلِّ نَصْبٍ : إمَّا لسَدِّها مَسَدَّ مَفْعُول وَاحِدٍ إن كانت " عَلِمَ " عِرْفَانيَّة ، وإمَّا لسدِّها مسدَّ اثنين إن كانت يقينيّة .

وقرأ الأخوان : " مَنْ يكُون لَهُ عَاقِبةُ الدَّارِ " هنا ، وفي " القصص " [ الآية : 37 ] بالياء ، والباقون : بالتاء من فوق{[15234]} ، وهما واضحتان ، فإن تأنيثها غير حَقِيقِيّ ، وقد تقدم ذَلِك في قوله : { وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقر : 123 ] .

وقوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } .

قال ابن عباس : أي لا يَسْعَد من كَفَر بي وأشْرَك .

وقال الضَّحَّاك : لا يَفُوز .


[15230]:ينظر: الدر المصون 3/184، البحر المحيط 4/228، السبعة 269، النشر 2/263 الحجة لأبي زرعة 272 الحجة لابن خالويه 149، الزجاج 2/323.
[15231]:ينظر: الرازي 13/166.
[15232]:ينظر: الكشاف 2/67.
[15233]:ينظر: معاني القرآن 2/323.
[15234]:ينظر: الحجة لأبي زرعة 272 النشر 2/263 الحجة لابن خالويه (150) السبعة 271، الفراء 1/356.